القاعدة السادسة

فقه الأولويات

ويعني هذا الفقه الاهتمام بالقواعد ثم الجزئيات، والبداية بالأهم فالمهم، وترتيب الأعمال وفق الأهمية، والحاجة، وهذا الفقه المهم من شأنه أن يضع الأشياء في مواضعها، وأن يتحقق في المخرجات التربوية التوازن، والوسطية والتكامل والشمول، ومن أهم صور فقه الأولويات:

r   أولاً: أولوية عقيدة التوحيد:

ذلك لأن توحيد الله تعالى في الألوهية والربوبية وفي الأسماء والصفات هي الغاية الأولى لخلق الإنسان، قال الله تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ  ﴾ لتحقيق صحة الأعمال والأفعال، قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا ﴾.

وجاء الهدي النبوي وفق هذا المنهج والتصور، فقد كان من أولويات دعوة النبي صلى الله عليه وسلم توحيد الله تعالى ونبذ ما دونه من الآلهة والمعبودات الأخرى المصنوعة من الشجر أو الحجر أو البشر، وكان عليه الصلاة والسلام يعلّم الصحابة هذه الحقيقة، وقد تجلى ذلك في وصيته لمعاذ بن جبل رضي الله عنه حين بعثه إلى اليمن حين قال: «إنك تقدم على قوم من أهل الكتاب فليكن أول ما تدعوهم إلى أن يوحدوا الله تعالى فإذا عرفوا ذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم فإذا صلوا فأخبرهم أن الله افترض عليهم زكاة في أموالهم تؤخذ من غنيهم فترد على فقيرهم فإذا أقروا بذلك فخذ منهم وتوق كرائم أموال الناس» .

فلا أولوية قبل التوحيد ولا أولوية قبل نبذ الشرك بجميع أشكاله، والحديث السابق يبين كيف أن النبي صلى الله عليه وسلم وضع الأولوية الأولى ثم التي تليها في الأهمية وهي أداء فروض الإسلام الأخرى.

عن سعيد بن المسيب عن أبيه أنه أخبره أنه لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد عنده أبا جهل بن هشام وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي طالب يا عم قل لا إله إلا الله كلمة أشهد لك بها عند الله فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه ويعودان بتلك المقالة حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم هو على ملة عبد المطلب وأبى أن يقول لا إله إلا الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما والله لأستغفرن لك ما لم أنه عنك فأنزل الله تعالى فيه ﴿ما كان للنبي..﴾ الآية» .

وإن إهمال أولوية التوحيد أو تأخيرها عن غيرها يؤدي إلى اضطراب في الفكر وفي الحياة بشكل عام، لأن أعمال الإنسان وحركاته منوطة جميعها بعقيدته وتصوره عن الكون والحياة والإنسان، وإن أي فساد في هذا التصور يحدث فسادًا في السلوك والعمل على الأرض.

وإن معظم المظالم والآثام التي تقع على الأرض هي في الحقيقة من تبعات فساد التصور والعقيدة، والواقع العالمي يشهد على ذلك بقوة، حيث لا يمنع أصحاب العقائد الفاسدة أن يقتلوا الألوف ويشردوا الملايين ويحرموا أممًا بأكملها من أجل تحقيق مصالحها المادية ونفوذها العسكري.

وبناء على ذلك يجب على المربّي أن يبدأ بهذه الأولوية المهمة كما يجب على الدعاة والموجهين أن يفقهوا عظم هذه الحقيقة ليولوها الاهتمام المطلوب ويبنوا عليها البرامج العملية التي تغرس في نفوس المتلقين هذا الأصل، فينطلقوا في سائر أعمالهم بطريق صحيح.



بحث عن بحث