r   تاسعًا: الأولوية في الإنكار:

وأما في مجال إنكار المنكر في المجال الدعوي والتربوي، فتكون وفق حجم المنكر وآثاره ومدى حرمته في الشرع، وفق الأمثلة الآتية:

- أولوية إنكار الكبائر قبل إنكار الصغائر، فلا يقدّم الداعية والتربوي إنكار الصغيرة قبل الكبيرة، كالذي ينكر ويشدد على التدخين ويهمل ويتساهل في إنكار ترك الصلاة أو الغيبة أو النميمة أو الربا، أو يضعها في المترتبة التي يليها.

- أولوية إنكار الضرر العام على الضرر الخاص، فلا يقدّم الداعية أو التربوي إنكار شرب الخمر داخل البيت، على إنكار بيعه في المحلات والأسواق، بل يجعل الأولوية في منع بيعها لأن ضررها عام على المجتمع بأسره، بخلاف الذي يشربها منعزلاً في بيته ويضرّ بها نفسه وحدها.

- أولوية إنكار المعصية الجهرية على المعصية السرية، فلا يقدّم الداعية أو التربوي على إنكار المنكر داخل البيوت والتي لا يراها أحد غير أصحابها على المعاصي التي ترتكب أمام الملأ في الشارع أو السوق..

- أولوية إنكار الحرام على المكروه، فلا يترك الداعية أو التربوي، إنكار المحرّمات التي جاءت النصوص الصريحة في حرمتها، على بعض الأمور المختلف فيها أو المكروهة بإجماع العلماء.

¡  ¡  ¡

والخلاصة: فإن فقه الأولويات مطلب ضروري للعاملين في مجال الدعوة والتربية، والذي يعتمد على حجم العلم الشرعي عند الداعية أو المربّي، وما عنده من حصافة وحنكة في ترتيب الأولويات وفق الضوابط الشرعية، والمصلحة العامة للناس والأمة.

وهنا لا بد أن نعي أن كثيرًا من هذا الفقه أمر اجتهادي بمعنى أنه يحتاج إلى إعمال للجهد، واستشارة، وتصور للواقع، وفقه في الشريعة وقواعدها حتى يكون جدول هذه الأولويات متسقًا مع الشريعة والواقع، ومؤديًا لنتائجه المرجوة.

ولابد أن نعي أيضًا أن هذه الأولويات تختلف من مجتمع إلى آخر، ومن زمن إلى آخر، يقرر ذلك فقيه عصره، وعالم زمانه، ويحدد ذلك قواعد الشريعة، وأحوال المجتمع، ومثال ذلك: مجتمع يسود فيه الربا، فيقدم على غيره في الإنكار، ومجتمع تسود فيه الجرائم الجنائية فتقدم على غيرها في الإنكار، ومجتمع تسود فيه الأخطاء الأخلاقية فتقدم في الإنكار.

وكل ذلك مع بقاء الأصل في التربية وهو تقديم العقيدة على غيرها.

كما ينبغي أن نعلم أن كل ما سبق من تقسيم الأولويات ينحصر إجمالاً في أمرين:

1 – جزء في البناء.

2 – وجزء في المعالجات للأخطاء.

وكل جزء له أولوياته التي تحتاج إلى فقه عملي دقيق.



بحث عن بحث