r   خامسًا: إكرام الكبير والمسنّ:

كما اهتم الهدي النبوي بالإنسان في مرحلة الطفولة والشباب، فإنه أعطى مرحلة الشيخوخة والكبر اهتمامًا خاصًا، ورعاية متميزة، لأنها مرحلة الضعف الأخيرة التي يمرّ بها الإنسان، كما أخبر الله تعالى بذلك في قوله: ﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ .

فجاءت الأحاديث الكثيرة التي تحث على برّ الوالدين والإحسان إليهما، وجعل الإساءة إليهما وإهمالهما من الكبائر التي يترتب عليها سخط الله وعذابه، فقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الكبائر فقال: «الإشراك بالله وعقوق الوالدين وقتل النفس وشهادة الزور».

كما حث النبي صلى الله عليه وسلم على إكرام المسنّ حيث جعل ذلك من إجلال الله تعالى فقال: «إن من إجلال الله إكرام الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه، وإكرام ذي السلطان المقسط».

ويمكن أن نستخلص من اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بالمسنين بعض الواجبات نحوهم:

1 – احترامهم في الحديث والمجلس وفي المشرب والمأكل، بحيث يُعطى له أولوية الحديث على من هو أصغر منه، وكذلك يُجلس في المكان المناسب في المجالس، ويُقدَّمون على الطعام، وغير ذلك من مظاهر الاحترام والأدب.

2 – تأمين الرعاية الصحية لهم، في المستشفيات والمراكز الصحية الأخرى، لأنهم بحاجة أكثر من غيرهم إلى هذه العناية لضعف القوى لديهم.

3 – مراعاة الجانب النفسي عندهم، وذلك بإدخال السرور إلى قلوبهم بالكلام الطيب، والسؤال عنهم، والهدية المناسبة، وغيرها.

4 – العناية الجسدية، كالنظافة البدنية بالغسل والاستحمام، ووضع الأطايب، واللبس الحسن والنظيف، وكذلك مساعدتهم على القيام ببعض التمارين الرياضية الخفيفة كالمشي وغيره.

5 – زيارتهم والسؤال عن أحوالهم، وتقديم المساعدة لهم، سواء المادية أو المعنوية.

6 – إشراكهم في المناسبات العائلية، كالزواجات وغيرها، ومشاورتهم في الأمور التي تخص العائلة، لا سيما وهم أصحاب خبرة وتجربة في الحياة.

سادسًا: إكرام الإنسان بعد موته:

ومن صور إكرام الإنسان في الهدي النبوي أن الرسول صلى الله عليه وسلم وضع مجموعة من المعالم التي يتجلى فيها مدى  تكريم الإنسان حتى بعد مماته، ومن ذلك:

-    غسله وتطييبه وتكفينه، قال عليه الصلاة والسلام: «اغسلوه بماء وسدر وكفّنوه في ثوبيه».

-    الصلاة عليه والدعاء له أثناء الصلاة بالعفو والمغفرة، كما جاء في الصحيح بقوله صلى الله عليه وسلم: «اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه وأكرم نزله ووسع مدخله واغسله بماء الثلج والبرد ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس وأبدله داراً خيراً من داره وأهلاً خيراً من أهله وزوجاً خيرا من زوجه وقه فتنة القبر وعذاب النار».

-    دفنه في مقابر المسلمين، متوجهًا إلى القبلة.

-    الدعاء له عندما يذكر اسمه أو سيرته والترحم عليه، لا سيما من أبنائه وذويه، لقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له».

-    عمل الأعمال الصالحة المشروعة له، كالصدقة الجارية، والعمرة أو الحج، فضلاً عن الدعاء.

وهكذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم اهتم بتربية الإنسان من لحظة ميلاده إلى وفاته، مرورًا بجميع المراحل العمرية الأخرى، حيث حدد لكل مرحلة الحقوق المتعلقة بهذا الإنسان الذي أكرمه الله تعالى ونفخ فيه من روحه وأسجد له الملائكة.

¡  ¡  ¡

ومن هنا: يتوجب العناية بالإنسان في جميع مراحله العمرية، لأن جميعها مهمة وحساسة، وإن أي إفراط أو إهمال في إحدى هذه المراحل، سيؤدي إلى حدوث خلل واضطراب على حياة الإنسان في سائر المراحل، فحين لا تستقيم التربية على الطفل في السنين المبكرة ويُترك من غير توجيه أو ترشيد، فإن عملية تقويمه وتصحيح مساره في المستقبل سيكون صعبًا جدًا، بل ربما يكون محالاً، ومن أجل ذلك جاء الاهتمام النبوي بالإنسان في كل طور من أطوار نموّه وبنائه، عبر مجموعة من الأحاديث والتوجيهات التي تفرض على أولياء الأمور والمربين الالتزام بها، وكلها تأتي تحت مسمّى المسؤولية التي أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «وكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته».



بحث عن بحث