3 – الجانب الدعوي:

أما في الميدان الدعوي والذي يجتمع فيه الدعاة وأهل العلم مع طبقات المجتمع المختلفة، من الصغار والكبار، والرجال والنساء، والمتعلمين والجاهلين، ويعاينون أحوالهم ويستمعون إلى مشكلاتهم وتطلعاتهم، ثم يقومون بدعوتهم إلى تعاليم الإسلام في العقيدة والعبادة والأخلاق والسلوك، فلا يسلم الداعية أو المربّي في تلك الأجواء أحيانًا من التعرض لأسباب الغضب والعوامل المثيرة له.

وقد تعرّض النبي صلى الله عليه وسلم في حياته الدعوية لكثير من المواقف المؤلمة والمثيرة للغضب، إلا أنه عليه الصلاة والسلام كان يصبر عليها ويرفق أحيانًا بأصحابها، ويعاملهم بخُلق الرفق واللين، ويزيدهم من المال والعطاء، فقد جاء في الصحيح، أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأخذ ببرده وجذبه حتى أثرت حاشية البرد في عنقه، وقال: يا محمد ! أعطني من مال الله، فإنه ليس مالك ولا مال أبيك ولا مال أمك، فتبسم عليه الصلاة والسلام، وقال: «يرحم الله أخي موسى، قد أوذي بأكثر من هذا فصبر».

فلم يغضب عليه الصلاة والسلام لهذا التصرف المثير للنفس إلى الغضب والانفعال، بل تريث عليه الصلاة والسلام وترفّق بهذا الأعرابي وأعطاه ما جاء من أجله.

وفي حديث آخر يقول أنس رضي الله عنه قال: «كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه بُرد نجراني غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي، فجبذه بردائه جبذة شديدة، فنظرت إلى صفحة عاتق النبي صلى الله عليه وسلم قد أثّرت بها حاشية الرداء من شدة جبذته، ثم قال: «يا محمد، مر لي من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه فضحك، ثم أمر له بعطاء».

ومن هنا على الدعاة والموجّهين والمرشدين والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر أن يقتدوا بالنبي صلى الله عليه وسلم في جعل «اللين والرفق» مَعْلمًا من أكبر معالم الدعوة مع جميع أصناف المجتمع، ومع جميع الأحوال لكي تؤتي الدعوة ثمارها.

¡  ¡  ¡

علاج الغضب:

وحيث أن ضد اللينِ العنفُ والشدة والقسوة، وهذه تورث الغضب، ومن هنا يجب التوجه إلى علاجه، فناسب أن نشير إلى بعض ما أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم من بعض الوسائل والآليات للحدّ من حالات الغضب وأسبابه، ومنها:

1 – الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، لقوله تعالى: ﴿ وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ  ﴾.

وجاء في الصحيح أنه: «استب رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم فجعل أحدهما تحمر عيناه وتنتفخ أوداجه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لأعرف كلمة لو قالها لذهب عنه الذي يجد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فقال الرجل وهل ترى بي من جنون».

2 – الوضوء، لقوله عليه الصلاة والسلام: «إن الغضب من الشيطان وإن الشيطان خلق من النار وإنما تطفأ النار بالماء فإذا غضب أحدكم فليتوضأ».

3 – الالتصاق بالأرض، لقوله صلى الله عليه وسلم: «ألا وإن الغضب جمرة في قلب ابن آدم أما رأيتم إلى حمرة عينيه وانتفاخ أوداجه فمن أحس بشيء فليلصق بالأرض».

4 – تغيير وضعية الغاضب أثناء غضبه، إن كان واقفًا يجلس أو يضطجع، فعن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع».

5 – كظم الغيظ أثناء الغضب، لقوله تعالى: ﴿ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾.

وقوله صلى الله عليه وسلم: «من كظم غيظًا وهو يستطيع أن ينفذه دعاه الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق حتى يخيِّره أي الحور شاء».

6 – السكوت وضبط اللسان عن الكلام أثناء الغضب، لقوله عليه الصلاة والسلام: «علِّموا ويسِّروا ولا تعسّروا وإذا غضب أحدكم فليسكت» قالها ثلاثًا.

¡  ¡  ¡

ونستخلص مما سبق، أن على المربي أن يجتهد في عمل البرامج المبنية على اللين والرفق، وأن يكون هذا معلمًا من أهم معالم حياة المربي والداعية، فيُعرف به كما عرف به النبي صلى الله عليه وسلم، وأن يعمل الوسائل الواقية من ضده، وهو العنف والقسوة، وهذا لا يمانع الحزم في موضعه، وعند حدوث ما يستدعي الغضب عليه أن يتقيه بقدر ما يستطيع، لكي تؤدي العملية التربوية ما يرجى من الآثار المحمودة.



بحث عن بحث