5 ـــ التواصل مع الناس :

هذا الـمَعْلم مهم في رحلة الإنسان نحو الإيجابية، لأن التواصل مع الناس والاختلاط معهم يُكشف كثيرًا من الأمور الغائبة عن الإنسان، والتي يمكن من خلالها تقديم برنامج كامل عن الخطوات والآليات التي تُحرك الإنسان نحو الإيجابية، المتمثلة في سبل الخير المختلفة، فالتواصل يسلط الضوء على المشكلات التي يعاني منها أبناء المجتمع، فيبدأ الإنسان حينها في التفكير بالحلول المناسبة لهذه المشكلات، سواء كانت مشكلات اجتماعية أو اقتصادية أو ثقافية أو غيرها، ومعلوم أن قلوب الناس مجبولة على حب من يحسن إليها، وعبر هذه القناة يمكن للإنسان أن يؤدي دورًا إيجابيًا، وينشئ ثقة بينه وبين مجتمعه، حتى يصبح هذا المجتمع سندًا وداعما له للعمل نحو الأفضل.

قال النبي عليه الصلاة والسلام: «أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله تعالى سرور تدخله على مسلم أو تكشف عنه كربة أو تقضي عنه دينًا أو تطرد عنه جوعًا، ولأن أمشي مع أخ في حاجة، أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد ـ يعني مسجد المدينة ـ شهرًا، ومن كف غضبه ستر الله عورته، ومن كظم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه، ملأ الله قلبه رجاء يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى يتهيأ له أثبت الله قدمه يوم تزول الأقدام».

فمن غير التواصل والاختلاط مع الناس لا يمكن للإنسان أن يقوم بهذه الأعمال الفاضلة أو يقدم لهم ما يحتاجون إليه.

هذا؛ فضلًا من أن التواصل مع الآخرين، يفيد في عملية تبادل الخبرات والمعلومات بين الناس، فكل طرف يعطي الطرف الآخر ما لديه من المعرفة، فعملية التواصل تعرف الطبيب على المهندس، والمدرس على الطبيب، والتاجر على المهندس، والمهندس على الموظف، وهكذا، حتى تنشأ داخل المجتمع بنية متآلفة وقوية من الشرائح المختلفة، ويصبح أفرادها يدًا واحدة على نشر الفضيلة والعدل والعلم.

والتواصل بهذا المفهوم يتجاوز اعتبارات اللون والنسب والحسب والجاه، وكذلك يتجاوز توجهات الناس واختلاف آرائهم وأطباعهم، فتلك سنة الله في خلقه لا يستطيع أحد أن يغير منها أو يبدل فيها، وهو ما عبر عنه الشاعر بقوله:

أنا راض بكل صِنْف من الناس
لستُ أخشى من اللئيم أذاه
فسح الله في فؤادي فلا أر
في فؤادي لكل ضيف مكان

  سِ لئيمًا ألفيتُه أو نبيلا
لا، ولن أسأل النبيلَ فتيلا
ضي من الحبّ والوداد بديلا
فكُنِ الضيفَ مؤنسًا أو ثقيلا

لأن أسلوب النقد، واتهام الآخرين بالعيوب والنقائص يزيد من حجم الفجوة والهوة بين الناس، وينتشل الثقة والوئام بينهم، فيتعرض تماسك المجتمع إلى التفكيك والتمزيق، لذا؛ كان لزامًا على العاقل في رحلته نحو الإيجابية أن يبتعد عن هذا السلوك، ويتجاوز عن عيوب الآخرين، ثم إن كل الناس معرضون للخطأ، فلا كمال إلا لله وحده، وإذا حوسب كل إنسان على خطئه، وبُنيت العلاقات على أساس هذا الخطأ، فلن يجد أحد بعدها صاحبًا أو رفيقًا في الحياة، كما قال الشاعر:

إذا كنت في كل الأمور معاتبًا
فَعِشْ واحدًا أو صِلْ أخاكَ فإنه
إذا أنت لم تشرب مرارًا على القذى
ومن ذا الذي تُرضى سجاياه كلها

  صديقَك لم تَلْقَ الذي لا تعاتبه
مقارفُ ذَنْبٍ مرّة ومجانبه
ظمئتَ وأيُّ الناس تصفو مشاربه
كفى بالمرءَ نُبْلًا أن تُعدّ معايبه

ومن أجل أن يكون الإنسان إيجابيًا في الحياة، ويقدم ما هو إيجابي للناس، كان لابد أن يتواصل معهم، ويشاركهم في الآلام والآمال، لأنه في النهاية هو جزء من هذه المنظومة الاجتماعية، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: «المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أعظم أجرًا من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم».



بحث عن بحث