الخامسة: الإيجابية والغلو

إن منهج الإسلام في أحكامه وتعاليمه قائم على مبدأ اليسر والسماحة للناس وليس على تعذيبهم ومشقتهم وإحراجهم، قال الله تعالى: âmÛ طه ﴿1مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىá .

وبهذا؛ فإن العمل الإيجابي المطلوب القيام به من المسلم هو القائم على مبدأ اليسر والسهولة، لا على التشدد والغلو، قال النبي عليه الصلاة والسلام: «إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة».

والتشدد والغلو في الدين يوقع صاحبه في الانحرافات والمزالق، بل ربما يدفعه في كثير من الأحيان أن يحرم على الناس ما أحل الله لهم، قال النبي عليه الصلاة والسلام: «هلك المتنطعون» قالها ثلاثًا. وقد فسّر النووي رحمه الله: المتنطعون:  المتشددون في غير موضع التشديد.

وينجم عن الغلو وأخذ أحكامه بصورة خاطئة بعض الآثار الخطيرة، منها :

1 ـ الوقوع في تكفير الناس وإخراجهم من الإسلام، بناء على فهم خاطئ   أو تأويل نص قرآني أو حديث نبوي، وهو النهج الذي سار عليه الخوارج وأوقع الأمة في فتن ودماء لا تزال الأمة تدفع ثمنها. وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تكفير الناس بغير حجة قوية قائلًا: «أيما رجل قال لأخيه: يا كافر فقد باء بها أحدهما».

2 ـ إعطاء صورة غير صحيحة عن الإسلام للأمم الأخرى، مما يسبب في نفور الناس من الإسلام وأتباعه.

3 ـ تقوية أعداء الأمة عليها، وتمزيق الصف، من خلال تصنيف الناس بالكفر والفسق والفجور وإحلال دمائهم من غير علم ولا كتاب مبين.

4 ـ التجرؤ على علماء الأمة المشهود لهم بالعلم والصلاح، والتشكيك في علمهم وأهليتهم، مما يسبب حدوث بلبلة وعدم ثقة بين الناس وعلماهم، وهذا أمر جلّ خطير، وله آثار على الإسلام ودعوته وقوته.

5 ـ كما أن الغلو في فهم الدين وأخذ أحكامه بصورة خاطئة يؤديأحيانًا- إلى الخروج على الإمام المسلم، الذي يحكم بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وهو من الكبائر التي نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع أميري فقد أطاعني، ومن عصى أميري فقد عصاني».

وغيرها من الآثار السلبية الناجمة عن الغلو في الدين التي لا يمكن حصرها في هذا المقام.

وما يدعو إليه الإسلام هو عدم الإفراط أو التفريط في تقديم الطاعات والأعمال وتطبيق الأحكام الشرعية التكليفية، فهو دين الوسط والاعتدال لقول الله تعالى: âوَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًاá .

وبهذا نعلم أن البعد عن الغلو من المهمات الكبرى للإيجابية التي تخرج الفرد والمجتمع من دائرة الضيق إلى دائرة السعة ومن العسر إلى اليسر، ومن الشدة إلى الفرج، فالإيجابية المحمودة ند للغلو، فهما ضدان لا يجتمعان، لذا؛ فإن على الفرد أن ينهج النهج الحق في مفاهيمه وسلوكه ليكون إيجابيًا فاعلًا ومؤثرًا.



بحث عن بحث