4- عن المقدام بن معد يكرب عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه، ألا لا يحل لكم الحمار الأهلي، ولا كل ذي ناب من السباع، ولا لقطة معاهد إلا أن يستغني عنها صاحبها، ومن نزل بقوم فعليهم أن يقروه، فإن لم يقروه فله أن يعقبهم بمثل قراه)(1).

       ففي هذا الحديث نجد الفعل (أوتيت) جاء مبنيا لما لم يسم فاعله – للمجهول- وهو يدل على أن الله تعالى قد أعطى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- القرآن ومثله معه، فإذا ذهبنا نبحث عن المماثل للقرآن، فإننا نجد المماثلة لا تتحقق في شيء غير السنة النبوية، لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم- جاءنا بهذين الأصلين معا: القرآن والسنة، فدل ذلك على أن السنة وحي من الله - عز وجل-.

       يقول الإمام الخطابي: (أوتيت الكتاب ومثله معه) يحتمل وجهين من التأويل:

أحدهما: أن معناه أنه أوتي من الوحي الباطن غير المتلو مثل ما أعطي من الظاهر المتلو.

الآخر: أنه أوتي الكتاب وحيا يتلى، وأوتي من البيان مثله، أي: أذن له أن يبين ما في الكتاب، ويعم ويخص، وأن يزيد عليه فيشرع ما ليس له في الكتاب ذكر، فيكون ذلك في وجوب الحكم، ولزوم العمل به، كالظاهر المتلو من القرآن(2).

      وقال الشوكاني: ((أوتيت الكتاب ومثله معه): أي أوتيت القرآن وأوتيت مثله من السنة التي لم ينطق بها القرآن)(3).

5- عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنه -، قال: (كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، أريد حفظه،فنهتني قريش، فقالوا: إنك تكتب كل شيء تسمعه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم- بشر، يتكلم في الغضب والرضا! فأمسكت عن الكتاب، فذكرت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم- ، فقال: اكتب، فوالذي نفسي بيده ما خرج منه إلا حق[وأشار إلى شفتيه صلى الله عليه وسلم])(4).

      وفي هذا الحديث إقرار بكتابة (كل شيء) يتفوه به النبي - صلى الله عليه وسلم، بل هو أمر وحث على ذلك من النبي - صلى الله عليه وسلم-، دون استثناء شيء، وليس هذا فقط بل مع وصف (كل شيء) نطق به النبي - صلى الله عليه وسلم- بأنه حق، وليس هذا فقط، بل إن هذا الوصف (وهو الحق) مع شموله (كل شيء) نطق به النبي - صلى الله عليه وسلم-، فقد جاء الحديث ليؤكد أنه وصف لا يتخلف حتى في حالة غضبه - صلى الله عليه وسلم-، وهي أولى الحالات البشرية التي قد يجتهد فيها الإنسان فيخطئ.

      بل في الحديث: (أن الاستدلال ببشرية النبي - صلى الله عليه وسلم- لزعم أن بعض ما يقوله - صلى الله عليه وسلم- ليس بوحي استدلال باطل، لا من جهة نفي البشرية عنه - صلى الله عليه وسلم-، بل هو بشر - صلى الله عليه وسلم-، لكنه معصوم بالوحي عن قول ما سوى الحق، ومعصوم اجتهاده - صلى الله عليه وسلم- عن الإقرار على الخطأ.

       وبذلك يكون هذا الحديث من أقوى الأحاديث دلالة على وجوب اعتقاد عصمة كل ما نطق به النبي - صلى الله عليه وسلم-، لكونه وحيا من الله تعالى: (ابتداءً أو مالاً)(5).


 


(1)    لحديث سبق تخريجه وأخرجه أيضا ابن حبان في صحيحه، رقم (12 الإحسان) وصححه الحاكم (1/109) وأقره الذهبي.

(2)    معالم السنن للخطابي مع مختصر للمنذري والتهذيب لابن القيم 7/7-8.

(3)    إرشاد الفحول ص 33.

(4)    أخرجه الإمام أحمد (رقم 6510، 6802، 6930، 7018، 7020)، وأبو داود (رقم 3641) والدارمي (رقم 501) وابن خزيمة (رقم 2280)، والحاكم وصححه (1/104-105، 105-106)، وهو حديث صحيح، وقد سبق تخريجه.

(5)    إضاءات بحثية في علوم السنة النبوية، ص 19. 



بحث عن بحث