شبه المنكرين لحجية السنة، والرد عليهم (10)

 

الوجه الثالث : على أن الحصر في الآية بطريق تقديــــم الجار والمجرور ، وهو في علم المعاني من الدرجة الثالثة في إفادة الحصر ، فلو كان المقصود الأهم هو حفظ القرآن وحده لآثر القرآن التعبير :

1 ــ بالحصر الحقيقي حقيقة .

2 ــ أو بطريق ( ما ، وإلا ) التي تفيد الحصر بالدرجة الأولى .

3 ــ أو ( بإنما ) التي تفيد الحصر بالدرجة الثانية على الأقل .

  إذن فتقديم (الجار والمجرور) ليس للحصر ، إنما هو لمناسبة رءوس الآي بل : لو كان في الآية حصر إضافي بالنسبة إلى شيء مخصوص ، لما جاز أن يكون هذا الشيء ، هو : ( السنة ) .

وذلك : لأن حفظ ( القرآن ) متوقف على حفظها ، وصونه مستلزم لصونها ، بما أنها : حصنه الحصين ، ودرعه المتين ، وحارســـه الأمين ، وشارحه المبين ، تفصل مجمله ، وتفسر مشكله ، وتوضح مبهمه ، وتقيــــد مطلقه ، وتبسط مختصره ، وتدفع عنه عبث العابثين ، ولهو اللاهين ، وتأويلهم إياه على حسب أهوائهم وأغراضهم ، ووفق ما يملى عليهم مــــــن رؤسائــهم وشياطينهم ، فحفظها من أسباب حفظه ، وصيانتها صيانة له .

الوجه الرابع :أن الله تعالى قد حفظ السنة كما حفظ القرآن الكريم ، فلم يذهب منها ــ ولله الحمد ، ومنه الفضل ــ شيء على الأمة ، وإن لم يستوعبها كل فرد على حدة .

قال الإمام الشافعي في رسالته في صدد الكلام على لسان العرب " ( ولسان العرب أوسع الألسنة مذهبا ، وأكثرها ألفاظا ، ولا نعلمه يحيط بجميع علمه إنسان غير نبي ) ( ولكنه لا يذهب منه شيء على عامتها ، حتى لا(1) يكون موجودا فيها من يعرفه ) ( والعلم به ــ عند العرب ــ كالعلم بالسنة عند أهل الفقه : لا نعلم رجلا جمع السنن ن فلم يذهب منها عليه شيء ) ( فإذا جمع علم عامة أهل العلم بها : أتى على جميع السنن ) ( وإذا فرق علم كل واحد منهم : ذهب عليه الشيء منها ، ثم كان ما ذهب عليه منها موجودا عند غيره ) ( وهم في العلم طبقات : منهم الجامع لأكثره ، وإن ذهب عليه بعضه ، ومنهم الجامع لأقل مما جمع غيره ) ( وليس قليل ما ذهب ــ من السنة ــ على من جمع أكثرها ــ دليلا على أن يطلب علمه عند غير طبقته من أهل العلم . بل : يطلب ــ عند نظرائه ــ ما ذهب عليه ، حتى يؤتى على جميع سنن رسول الله ــ بأبي هو وأمي ــ فيتفرد جملة العلماء بجمعها ، وهم درجات فيما دعوا منها )(2).

 

 


(1) كذا في الرسالة ، وهو صحيح : على أن التفريع على المنفي ، وإلا : وجب حذف " لا" .

(2) الرسالة ص 42 ، 43 .



بحث عن بحث