تحقيق القول فيما تصوروه من السنة غير التشريعية (6)

أما ما جعلوه مما سبيله الحاجة البشرية، كالأكل والشرب والنوم … إلخ من السنة غير التشريعية، فهذا الكلام على عمومه مرفوض، وفى حاجة إلى تحقيق . فالأكل والشرب مثلاً - كلام عام يشمل المأكول والمشروب، ويشمل الأوانى والهيئة أو الكيفية .

فهل بيان المأكول والمشروب المحرم، والمكروه، والمباح، من السنة غير التشريعية (1)

هل حديث : ( أحلت لكم ميتتان ودمان : فأما الميتتان فالحوت والجراد، وأما الدمان فالكبد والطحال)(2)

 وحــــديث : ( أكل الضب على مائدة رسول الله صلــى الله عليــــه وسلم)(3). سنة غير تشريعية؟! اللهم لا .

أحل لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الطيبات، وحرم علينا الخبائث؛ فالمأكول، والمشروب سنة تشريعية من حيث الحل والحرمة، أما أنه أكل نوعاً من الحلال وترك غيره يأكل نوعاً آخر، فالتشريع فيها الإباحة، إباحة ما أُكِلَ وما لم يأكل مما لم ينه عنه .

 وأما الأوانى : فقد نهى صلى الله عليه وسلم عن الأكل والشرب فى صحائف الذهب والفضة، ونهى عن الأكل في أواني الكفار إلا بعد غسلها . وهذا تشريع قطعاً .

 أما أنه صلى الله عليه وسلم أكل فى قصعة من الفخار، ونحن نأكل في الأواني الفاخرة غير الذهبية والفضية، فهذا من المباحات والإباحة تشريع (4)

 وأما الهيئة : فهناك هيئات مأمور بها وهيئات منهى عنها، وهيئات أخرى كثيرة مباحة، والكل تشريع .

 ( يا غلام سم الله وكل بيمينك، وكل مما يليك)(5) هيئة أكل مشروعة(6)،

و ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتنفس فــــي الإناء)(7) هيئة ممنوعة شرعاً فى نفس الإناء، ومستحبة خارج الإناء(8)، أما أنه صلى الله عليه وسلم أكل بأصابعه ويده . ونحن نأكل بالملاعق، والشوك، والسكاكين، فهو من المباحات المشروعة .

فماذا فى الأكل والشرب من السنة غير التشريعية؟!!

 إن قصدوا بالسنة غير التشريعية فى ذلك السنة غير الملزمة، وهى المباحات كان الخلاف بيننا لفظياً .

 وإن قصدوا ما هو مطلوب على وجه الوجوب أو الندب، وما هو منهى عنه على وجه الحرمة أو الكراهة فهو غير مسلم .

ومثال ذلك يقال فى النوم واللبس، وكل ما هو خاص بالحاجة والطبيعة البشرية كما يقولون، حتى قضاء الشهوة مع الزوجة له قواعده وأصوله وحدوده المشروعة(9) .


(1) السنة والتشريع ص 22 .

(2) أخرجه ابن ماجة فى سننه كتاب الأطعمة، باب الكبد والطحال2/295 رقم3314، والدارقطنىفى سننه كتاب الأشربة وغيرها،باب الصيد والذبائح والأطعمة وغير ذلك4/271،272 رقم25 من حديث ابن عمر - رضى الله عنهما - وفيه عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال ابن الجوزى : أجمعوا على ضعفه، وقال البوصيرى : لكن لم ينفرد به عبد الرحمن بن زيد عن أبيه فقد تابعه عليه سليمان بن بلال، عن زيد بن أسلم عن ابن عمر . قال البيهقى : إسناد الموقوف صحيح، وهو فى معنى المسند أ.هـ. انظر : مصباح الزجاجة 3/85، قال الشوكانىفى نيل الأوطار 8/147، 148 وكذا صحح الموقوف أبو زرعة، وأبو حاتم، وهو فى حكم المرفوع فيحصل الاستدلال بهذه الرواية، أ.هـ. بتصرف، وانظر : فتح البارى 9/580 - 585 رقمى 5536/5537 وتعليق المغنى على الدارقطنى 4/271، 272.

(3) أخرجه مسلم ، كتاب الصيد والذبائح، باب إباحة الطب (رقم 1944)، وانظر : نيل الأوطار 8/118 وما بعدها

(4) السنة والتشريع لفضيلة الأستاذ الدكتور موسى شاهين ص 23، وسيأتى مزيد من بيان شرعية (المباح) بعد قليل ـ

(5) البخارى ، كتاب الأطعمة، باب التسمية على الطعام والأكل باليمين ( رقم 5376)، ومسلم ، كتاب الأشربة، باب آداب الطعام والشراب وأحكامهما ( رقم 2022 ). من حديث عمر بن أبى سلمة رضي الله عنه.ـ

(6)انظر:مجلة الأزهر عدد ربيع الآخر1418هـ ص630مقال (التيامن فطرة إلهية وأفضلية تاريخية".ـ

(7) أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب الأشربة، باب النهى عن التنفس فى الإناء 10/95 رقم 5630، ومسلم (بشرح النووى) كتاب الأشربة، باب كراهية التنفس فى نفس الإناء واستحباب التنفس ثلاثاً خارج الإناء 7/217 رقم 267 من حديث أبى قتادة رضي الله عنه.ـ

(8) انظر : فتح البارى، وشرح النووىفى الأماكن السابقة ـ

(9) السنة والتشريع لفضيلة الأستاذ الدكتور موسى شاهين ص 22-24 بتصرف ـ



بحث عن بحث