السنة المستقلة بالتشريع وآراء العلماء فيها(12)

 

 

بقية أدلة الجمهور على استقلال السنة بالتشريع .

ذكرنا فيما سبق ثلاثة أدلة للجمهور على استقلال السنة بالتشريع، وفي هذه الحلقة وما يليها نكمل أدلة الجمهور في هذه المسألة :

رابعا : استدل جمهور العلماء على مذهبهم باستقلال السنة في تشريع بعض الأحكام ، بأن الله عز وجل أسند إلى نبيه تحليل الطيبات وتحريم الخبائث إسنادا عاما ، قال سبحانه في أوصاف نبيه( يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ )(1) [ سورة الأعراف / 157 ]

فالآية الكريمة أسندت إلى النبي صلى الله عليه وسلم بأمر الله تعالى تحليل الطيبات وتحريم الخبائث دون تفرقة بين ما ذكر في القرآن ، وما لم يذكر فيه ، لأن هذا وذاك من عند الله عز وجل ، وقد تأكد هذا المعنى بحديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه " ( ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه ، ألا لا يوشك رجل على أريكته يقول : عليكم بهذا القرآن ، فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه ، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه ، وإن ما حرم رسول الله كما حرم الله ، ألا لا يحل لكم الحمار الأهلي ، ولا كل ذي ناب من السباع ، ولا لقطة معاهد إلا أن يستغني عنها صاحبها ، ومن نزل بقوم فعليهم أن يقروه ، وله أن يعقبهم بمثل قراه )(2).

فهذا الحديث يدل على أن الشريعة تتكون من الأصلين معا : الكتاب والسنة ، وأن في السنة ما ليس في الكتاب ، وأنه يجب الأخذ بما في السنة كما يجب الأخذ بما في الكتاب الكريم ، لأن الحديث صريح في أن الذي أحله أو حرمه رسول الله مثل الذي أحله أو حرمه الله في الحكم ، لأن الله أوجب طاعة رسوله طاعة عامة ، ودل عليها في القرآن الكريم ، بمختلف الدلالات ، وفي شتى المناسبات ، وبمختلف الصيغ والعبارات .

قال الإمام الخطابي : " قوله صلى الله عليه وسلم " ( يوشك شبعان على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن ... إلخ الحديث ) ، يحذر بذلك رسول الله صلى الله عليه من مخالفة السنن التي سنها مما ليس له في القرآن ذكر على ما ذهب إليه الخوارج والروافض ، فإنهم تعلقوا بظاهر القرآن ، وتركوا السنن التي قد تضمنت بيان الكتاب فتحيروا وضلوا "(3) .

وقال الدكتور عبد الغني عبد الخالق : " ولا أظنك بعد أن تقرأ حديث ( إني أوتيت الكتاب ومثله معه ) وبعد أن تجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يعقب مباشرة ــ إنكاره على من يترك ما ليس في القرآن ــ بذكره تحريم الحمر الأهلية ، وغير ذلك من الأحكام ــ لا أظنك بعد هذا إلا معتقدا أن النبي صلى الله عليه وسلم نفسه : يرى أن هذه الأحكام لم ينص عليها الكتاب ، بحيث يمكن للمجتهد أن يستنبطها منه ، وإلا لما ذكر قبلها ما ذكر "(4)


(1) سورة الأعراف / 157 .

(2) أخرجه أبو داود ، كتاب السنة ، باب في لزوم السنة ( 4604 ) وأحمد في المسند ( 4 / 130 ، 131 ) وإسناده صحيح ، وقد سبق تخريجه .

(3) معالم السنن ( 7 / 8 ) .

(4) حجية السنة ص 517 .



بحث عن بحث