السنة المستقلة بالتشريع وآراء العلماء فيها(8)
رد صاحب كتاب حجية السنة على اعتراض الشاطبي:
اعتراض الشاطبي هذا مردود من وجوه :
أولها : أين يوجد في القرآن الكريم ذلك الحكم الذي قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم للزبير ولو إجمالا أو احتمالا ؟ وقد أحال جوابه على المسألة الرابعة ، وفي المسألة الرابعة لم يصرح بالجواب عن الاعتراض بالقضاء للزبير، فبقى الدليل عليه لا له (1) .
ثانيها : أن طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم تعنى امتثاله في جميع ما أمر به ونهى عنه ، مبينا كان أو مؤكدا أو مستقلا ، فالآية شاملة لهذه الأنواع كلها ، ومن ثم فلا نقرك على الحصر في قولك : " وطاعة الرسول ما أمر به ونهى عنه مما جاء به مما ليس في القرآن " .
صحيح أن امتثال المستقل ــ في بادئ الرأي ــ أظهر دخولا في طاعة الرسول : حيث إنه يحقق الانفراد في ظاهر الأمر ، دون البيان ــ لأنه عين المراد من المبين ، فامتثاله امتثال لذاك ــ ودون المؤكد كذلك ، ولا يضرنا اشتراك الطاعتين في بعض الأنواع : إذا المهم لنا شمول طاعة الرسول للمستقل من سنته ، على أنك إذا تأملت وجدت : أن طاعة الرسول في جميع الأنواع ، مستلزمة لطاعته تعالى(2) .
ثالثها : قولك :( إنا إذا بنينا على أن السنة بيان للكتاب ) إلى قولك ( فلم يلزم من إفراد الطاعتين تباين المطاع بإطلاق ) .
نقول لك فيه : ما مرادك بقولك إن السنة بيان للكتاب ؟
فإن أردت أن جميع السنة بيان له : فهذا ما نتنازع فيه ، ولا يمكنك بحال إثباته ، وسنبطل شبهك ، وسائر تكلفاتك في إرجاع المستقل إلى المبين ، فالواقع : أن بعض السنة بيان ، وبعضها مستقل ... وإذا كان الواقع كذلك ، كانت الآية شاملة لكل منهما ، إلا إذا أخرج بعضه الدليل ، ولا دليل ، وعلى هذا : لا يصح لك أن تبنى ردك على خطأ مخالف للواقع .
وإن أردت به أن بعض السنة بيان له : فهذا مسلم ، ونعفيك أيضا من محاولتك إدخال امتثال هذا النوع في طاعة الرسول ، فإنا لم نقل بعدم شمولها له ، بل أنت الذي فعلت ذلك في تقريرك لدليلنا ، فلتوجه الاعتراض إلى نفسك لا إلينا ، وحاول إقناع نفسك بما ذكرت (3).
(1) لقد أكد الشيخ دراز في تعليقه على الموافقات ( 4 / 405 ) عدم رد الشاطبي على الاعتراض بالقضاء للزبير .
(2) انظر : حجية السنة صـ 510 ، 511 .
(3) حجية السنة صـ 511 .