التمسك بالسنة دين (2-2)

 

 

 

السبب الثاني:

لتمسكنا بالسنة هو: أهميتها ونفعها الاجتماعي في حياة الأمة الإسلامية.

إن السنة توحِّد مشاعر الأفراد، وميولهم، وعواطفهم، بما فيها من أسباب ذلك. فهي تدعو إلى التراحم بين المسلمين، وحبّ بعضهم بعضًا، وتنتظمهم ككل في بعض الأمور؛ كصلاة الجماعة التي يقف فيها المؤمنون جميعًا على قدم المساواة على اختلاف طبقاتهم ووظائفهم الاجتماعية.. , أوليسوا جميعًا في سلوكهم وأخلاقهم باتباعهم السنة يكونون كشخص واحد هو محمد - صلى الله عليه وسلم - الذي يقتدون به فيهما؟.

وإن بعض الأعمال الجماعية المادية التي نقتدي فيها برسول الله - صلى الله عليه وسلم - تسهم في وحدة المسلمين الروحية والقلبية، ولهذا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أقيمت صلاة الجماعة يسوِّي الصفوف ويقول لهم: " لا تختلفوا فتختلف قلوبكم"(1).

أرأيت كيف ربط الرسول - صلى الله عليه وسلم - بين وحدة الصفوف المادية، ووحدتهم الروحية والقلبية؟ وكذلك اختلافهم في هذا وذاك.

إن السنة عندئذٍ تجعل المجتمع متماسكًا مستقرًا في شكله، وتحول دون تطور العداء والنزاع؛ لأن جميع أفراده يرجعون إلى أساس واحد. وما دام هذا الأساس لا يحوم حوله ريب ما، فليس ثمة من حاجة ولا رغبة في تبديل التنظيم الاجتماعي الذي نتج عنه.

وإذا تحرز المجتمع على هذا النحو من اختلاف الميول والنزعات؛ لأنه بني على قواعد من الشرع الإلهي والاقتداء بالرسول - صلى الله عليه وسلم - فإنه يستطيع حينئذٍ أن يستغلّ جميع قواه في معالجة مسائل تسبغ عليه رفاهية حقيقية، مادية وعقلية.

أما إذا اختلف الأفراد في الميول والنزعات؛ لأن مشاربهم متعددة وتنشئتهم مختلفة، فإنهم لن يلتقوا على أرض الحب والتعاطف والمودة وتختلف النظرات الاجتماعية، كل يرى أن الحل الأمثل والحياة السعيدة هي ما يراها غيره، فتتعدد الأغراض الاجتماعية والمقاصد، وينشأ الناس على عادات مختلفة " وهذه العادات المختلفة إذا تبلورت بالمراس سنين طوالاً أصبحت حواجز بين الأفراد" ويسوء فهم بعض الناس لأغراض بعضهم الآخر ومقاصده. وهذا هو سِرُّ أكثر المنازعات الاجتماعية في كل مجتمع تتعدد فيه الأحزاب التي يحمل كل حزب فيها مبادئ ربما تتناقض مع مبادئ الآخر، وربما تطور الأمر، فيحكم حزب متعصب، فيحمل الناس حملاً؛ موافقيه ومخالفيه على الالتزام بهذه المبادئ، وينشأ الصراع الذي نشاهده في كثير من قطاعات عالمنا المعاصر.

أما " أولئك الذين يعدون أنفسهم مقيدين بشريعة القرآن الكريم" وبالتالي بأوامر الرسول - صلى الله عليه وسلم-، فإن أحوال المجتمع عندهم يجب أن يكون لها مظهر مستقر؛ لأنهم يرجعون بها إلى أساس مطلق"(2).

السبب الثالث:

في تمسكنا بالسنة؛ كبيرها وصغيرها، فرضها ونفلها، هو أنها الطريق إلى معرفة الإسلام مطبقًا في الحياة، إن في هذا النظام من العمل بالسنة يكون كل شيء في حياتنا اليومية مبنيًا على الاقتداء بما فعله الرسول، وهكذا نكون دائمًا إذا فعلنا أو تركنا كذلك مجبرين على أن نفكر بأعمال الرسول وأقواله المماثلة لأعمالنا هذه(3).

ولقد كانت حياة محمد - صلى الله عليه وسلم - تطبيقًا أمينًا لمبادئ الإسلام وتعاليمه، ألم يكن خلقه القرآن كما تقول السيدة عائشة - رضي الله عنها-...؟ وهذا يدفعنا إلى أن نتعرف على دقائق حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم والوقوف على سيرته، فنتعرف على الإسلام من خلال السنة النظرية، ونطبقه من خلال الاقتداء عمليًا، وبهذا ندخل في نطاق رحمة الله عز وجل، ألم يرسل محمدًا رحمةً للعالمين؟.. وتصبح شخصية أعظم رجل متغلغلة إلى حد بعيد في منهاج حياتنا اليومية بما فيها من صغير وكبير.

أما إذا أعرضنا عن سنة الرسول - صلى الله عليه وسلم - فستنشأ غربة بيننا وبينه، وبالتالي ستنشأ غربة بيننا وبين الإسلام الذي حمله ودعا إليه، وبشَّر به، وطبَّقه كما قلنا تطبيقًا أمينًا في حياته. وفي النهاية أو في البداية سنرتمي في أحضان ثقافات أخرى من صنع بشر ومفكرين آخرين أثبت الزمن أن عقولهم وفلسفاتهم ليست أهلاً لأن تقود الإنسان، وإنما يقوده خالقه بالالتزام بما جاء به نظرًا وعملاً محمد - صلى الله عليه وسلم - من عنده - عزَّ وجلَّ-.

ولعلنا بعد معرفة هذه الأسباب ندرك معقولية تمسكنا بكل ما صدر عن محمد - صلى الله عليه وسلم - وفائدته ، حتى الأكل باليد اليمنى الذي يسهم في تربية الوعي الإرادي عند المسلم متحديًا عادات عصره، كما يسهم في الامتزاج الاجتماعي عندما يكون الأفراد كلهم يأكلون بأيديهم اليمنى، وغير ذلك من السنة، ثم حمل للنفس على احترام الإسلام والتعرف على نبيه وعلى كل ما صدر عنه، فنتعرف على كل شيء في حياته، وبالتالي نتعرف على كل شيء في الإسلام نظرًا وعملاً(4).

وفقنا الله - عزَّ وجلَّ- إلى التمسك بالسنة، والعمل بالهدي النبوي الكريم.

 وفي هذه الدراسة سنتحدث - إن شاء الله- عن السنة النبوية: تعريفها - مصدرها - حجيتها - رتبتها في التشريع- أنواعها من حيث دلالتها على الأحكام وغير ذلك من المباحث، لتتضح أهميتها، وتظهر مكانتها، وتتبين منزلتها؛ ليحيى من حيّ عن بينة ويهلك من هلك عن بينة.

والله نسأل التوفيق والسداد، وهدايتنا وكل العباد، ((سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم)) [البقرة:32].

 

 

الهوامش:

(1) أخرجه مسلم، كتاب الصلاة، باب تسوية الصفوف وإقامتها، رقم: (972).

(2) الإسلام على مفترق الطرق لمحمد أسد، ترجمة الدكتور/ عمر فروخ - ط: 4، بيروت، ص: 108.

(3) المصدر السابق، ص: 109.

(4) انظر: المدخل إلى توثيق السنة، ص: 18-25.



بحث عن بحث