والسنة بمعنى دين الله تعالى، الذي هو أمره ونهيه وسائر أحكامه(1)، قال الراغب: وسنة الله قد تقال لطريقة حكمته، وطريقة طاعته(2).

2-   و السنة بمعنى الأمة. نقله القرطبي عن المفضل، و أنشد:

ما عاين الناس من فضل كفضلهم  * ولا رأوا مثلهم في سالف السنن(3)

3-   و السنة بمعنى الطبيعة(4). قال في اللسان، والسنة: الطبيعة، وبه فسر بعضهم قول الأعشى:

كريماً شمائله من بني  *  معاوية الأكرمين السُّنن(5)

4-   و السنة بمعنى الدوام. نقله الشوكاني عن الكسائي(6).

5- و السنة بمعنى العادة. قال العضد وكثير من علماء الأصول: " السنة لغة: الطريقة و العادة " وقال الزمخشري في تفسير قوله تعالى: (فهل ينظرون إلا سنة الأولين فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلاً) (فاطر:43). (سنة الأولين): إنزال العذاب على الذين كذبوا برسلهم من الأمم قبلهم. جعل استقبالهم لذلك انتظاراً له منهم، وبين أن عادته - التي هي: الانتقام من مكذبي الرسل - عادة لا يبدلها و لا يحولها "(7) فقد فسر السنة بالعادة كما ترى.

وقال الفنري: " المفهوم من سياق الأصفهاني في شرح البدائع: أن عطف " العادة " على " الطريقة " ليس تفسيرياً حيث قال: وهي في اللغة: الطريقة. يقال: سنة زيد كذا، أي طريقته وسيرته. والعادة. يقال: من سنته كذا، أي: من عادته، قال الله تعالى: (ولن تجد لسنة الله تبديلاً) (الأحزاب:62) أي لعادته "(8).

قال الدكتور/ عبد الغني عبد الخالق معقباً على هذا القول: " ولم أجد في قواميس اللغة تصريحاً: بأن السنة هي العادة، و لا بأن العادة هي الطريقة أو السيرة أو الطبيعة. والذي ذكر في القاموس وشرحه هو: " أن العادة: الديدن يعاد إليه، معروفة. سميت بذلك: لأن صاحبها يعاودها. أي يرجع إليها مرة بعد أخرى. وقال جماعة: العادة: تكرير الشيء دائماً أو غالباً على نهج واحد بلا علاقة عقلية. وقيل: ما يستقر في النفوس من الأمور المتكررة المعقولة عند الطباع السليمة، ونقل شيخنا: أن العادة والعرف بمعنى، وقال قوم: قد تختص العادة بالأفعال والعرف بالأقوال. وقال في المخصص نقلاً عن صاحب العين: "العادة: الديدن، والدربة، والتمادي في شيء حتى يصير سجية له "(9).

فإذا نظرنا إلى جميع معاني العادة: وجدنا أنها تفيد معنى الاستمرار والدوام، فكأن من فسر السنة بالعادة أخذ هذا التفسير من قول الكسائي - المنقول فيما تقدم - " إن السنة: الدوام ".

وإذا نظرنا إلى تفسير العادة - في شرح القاموس -: بما يستقر في النفوس إلخ.. وإلى قول صاحب العين: والتمادي في شيء إلخ، وإلى ما نقل عن الراغب في تفسير الطبيعة فيما تقدم: علمنا أن العادة قد تستعمل بمعنى الطبيعة.

وإذا نظرنا إلى تفسيرها: بتكرير الشيء دائماً أو غالباً... الخ، وإلى تفسيرها بالعرف: علمنا أنها بمعنى الطريقة، فإنها تفيد معنى الاستمرار والتكرار.

هذا: وقد وجدت أبا هلال العسكري في كتابه " الفروق اللغوية " يفرق بين السنة والعادة: بأن العادة: ما يديم الإنسان فعله من قبل نفسه، والسنة تكون على مثال سبق.(10).

وبالجملة: فمعاني " العادة والطبيعة والطريقة والدوام " متقاربة إن لم تكن متحدة "(11)

وجماع القول في معنى هذه الكلمة - السنة - اللغوية: أنها تدل على الطريقة المسلوكة، راجعة إلى أصلها، إذ هي من قولهم: سننت الشيء بالمسن، إذا واليت تكراره عليه، و إمراره به حتى صنع له سناً " أي: طريقاً.

وقريب منه أن نقول: إن هذا اللفظ إنما يفيد الاستمرار والدوام والأمر بهما، وهو ظاهر في قولك: سننت الماء، أي واليت صبه بأسلوب منتظم ودائم.

وإذا ما جمعنا المعنيين معاً يتضح لنا: أن السنة إنما تفيد الأمر باتباع طريقة معينة، والتزامها، والسير عليها، حتى تكون هي الطريق والمسار الذي لا يجوز خلافه في مراد من أمر بالتزامه(12).

وهكذا نجد أن الاصطلاح الشرعي للسنة المفهوم من هذه المعاني اللغوية هو: السيرة والطريقة التي نهجها النبي - صلى الله عليه وسلم - في أقواله، وأفعاله، وتقريراته على وجه العموم.

وإذ قد اتضح من خلال العرض معنى " السنة " في اللغة فلا بد من التنبه لأمور هي:

1.  أن السنة بمعنى الطريقة والسيرة - حسنة كانت أو سيئة - قد استعملت في لغة العرب قبل الإسلام، ووردت في أشعار الجاهلية كما سبق إيراده.

2.      أن القرآن الكريم والحديث الشريف قد وردت فيهما كلمة " السنة " بمعناها اللغوي السابق.

3.  أن السنة وإن خصصها الإسلام بالطريقة التي نهجها النبي - صلى الله عليه وسلم- في أقواله، وأفعاله، وتقريراته، فإن ذلك لا يعني أن معناها اللغوي قد بطل أو انعدم، بل بقي استعمالها ولكن في نطاق ضيق.

 


 (1)      القاموس المحيط ( 4:239 )، المعجم الوسيط ( 1/256 ).
(2)      المفردات ص 245.
(3)      انظر: الجامع لأحكام القرآن ( 4/216 ).
(4)      الطبيعة: السجية، مأخوذة من " الطبع " وهو: أن يصور الشيء بصورة ما. كطبع السكة والدراهم، فإن ذلك نقش النفس بصورة ما، إما من حيث الخلقة أو من حيث العادة، وهو فيما تنقش به من جهة الخلقة أغلب. انظر: المفردات للراغب ص 303 بتصرف.
(5)      اللسان 13/2125
(6) 
     إرشاد الفحول ص 33
(7)      الكشاف 2/246.
(8)      حاشية الفنري على التلويح ( 242 )
(9)      المخصص 12/75.
(10)      الفروق ص 187.
(11)      ججية السنة ص 51،50.
(12)      السنة في مواجهة أعدائها ص 38.

 


بحث عن بحث