القاعدة الثالثة:

العلم والـمعرفة

العلم هو إدراك الشيء على ما هو عليه في الواقع بدليل.

فالعلم هو القناة التي تنقل الإنسان من الظلمات إلى النور، ومن التخلف والتراجع إلى التقدم والنجاح.

والعلم هو بوابة النجاح والتفوق في الحياة وهو أهم مصدر لقوة الإنسان في إنجاز المهمات ومواجهة التحديات.

أنواع العلوم:

يتفرع العلم إلى نوعين:

ـ شرعي يتعلق بالعقيدة والعبادات والأخلاق وأحكام الحلال والحرام.

ـ ودنيوي يشمل مناحي الحياة المختلفة، كالطب والهندسة والفيزياء والرياضيات والفلك وغيرها.

والعلم بنوعيه مسخر لخدمة الإنسان وسعادته ونجاته في الدنيا والآخرة، إذا اقترنا معًا، وصار العلم الشرعي أساسًا ومنطلقًا للعلم المادي والدنيوي، لأن أي عمل في الحياة يستند إلى قناعة وتصور لأدائه.

فحسب التصور المادي والغربي الذي لا يجعل للدين وزنًا في الحياة، يكون العلم ماديًا صرفًا، خاويًا من أي سند عقدي أو قاعدة أخلاقية، ومن أجل ذلك يتجه هذا العلم عكس مصلحة الإنسان وسعادته، أحيانًا، فيتسبب في إغراق البشرية في أوحال الصراعات والحروب والمظالم في أكثر بقاع الأرض، والواقع المعاصر خير شاهد على هذه الحقيقة، حين ملكت القوى الغربية الكبرى زمام العلم المادي وتخلت عن الشرائع والأخلاقيات، قسّمت العالم إلى طبقتين، طبقة آمرة وهي التي بيدها التقدم العلمي، وطبقة مأمورة وهي التي تخلفت في العلوم المادية، وبهذا المعيار وهذا التقسيم، أباحت هذه القوى جميع الحرمات عند الآخرين واحتلت بلادها ونهبت ثرواتها، بل تدخلت لتغير من قيم شعوبها وعقائدها.

أما حسب التصور الإسلامي، فإن العلم الشرعي والعلم المادي جزءان لا ينفصلان، لا يمكن الاستغناء عن أحدهما على حساب الآخر، فالعلم الشرعي يخدم البشرية حين يبيّن لهم المنهج القويم لسعادتهم في الحياة، ويحدد لهم الحدود المباحة للعمل والتحرك، وهذه هي القاعدة التي ينطلق منها العلم المادي، الذي يستخدم للبناء الصحيح وتحقيق السعادة الحقيقية للناس على الأرض.

والآيات الأولى التي نزلت من القرآن الكريم تؤكد هذه الحقيقة، حيث جاءت الإشارة إلى كلا العِلْمَين، وهي الربط بين الإيمان بالله الخالق للإنسان من علق وخالق للقلم، وبين الدعوة إلى تعلم القراءة التي هي أداة تحصيل العلم قال الله تعالى: âاقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴿1 خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ ﴿2 اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ﴿3 الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ﴿4 عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ á.

أثر هذه القاعدة :

العلم بفرعيه يكوّن الشخصية الناجحة في الحياة، لأنه يمزج بين الجانب الروحي والجانب المادي، فالعالِم الناجح هو الذي يقترب من الله كلما ارتقى سلمًا في مدارج العلوم المادية والتطبيقية، وإن أي اكتشاف أو ظهور أية حقيقة علمية في هذا الكون يجعله أكثر تعبدًا وخشية لله، قال الله تعالى: âإِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ á، وهذه الخشية هي من العوامل القوية لتحقيق التقدم العلمي والتقني واكتشاف كثير من أسرار الكون، قال الله تعالى:           âوَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌá.

وسائل تحصيل العلم :

إن وسائل تحصيل العلم كثيرة ومتنوعة، نذكر منها:

1 ـ القراءة والمطالعة المستمرة، ويجب أن تبدأ هذه الوسيلة بالمعين الذي لا ينضب وهو القرآن الكريم:

ـ لأن قراءة القرآن وتلاوته تعبد وتقرب إلى الله تعالى قبل كل شيء، قال النبي عليه الصلاة والسلام: «من قرأ حرفًا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشرة أمثالها، لا أقول آلم حرف، ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف».

ـ ثم إنه حافل بالحقائق العلمية حول الإنسان والأطوار التي يمر بها في تكوينه الخَلقي، قال جل ثناؤه: âيَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا á.

ـ وفيه من أخبار النفس وما تميل إليها من خير وشر، والغرائز التي تتحرك في داخلها قال الله تعالى: âوَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا ﴿7 فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا á.

ـ كما تطرق القرآن إلى عالم البحار وعالم الأفلاك وعالم الحيوان، كما في قوله تعالى:  âأَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ á، وقوله تعالى: âوَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ ﴿39 لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ á، وقوله تعالى: âوَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ á.

ـ وفي هذا القرآن الكريم سرد أخبار الأمم الغابرة والأحداث التي عصفت بهم، مثل قصة أصحاب الكهف على سبيل المثال: âأَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا ﴿9 إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا á. والقصص كثيرة في كتاب الله وكلها وردت على سبيل الاتعاظ والاعتبار بها.

ـ ويَتْبَعُ قراءةَ القرآن الوقوفُ على معانيه، من خلال قراءة كتب التفسير، الزاخرة بالفنون والعلوم، فالقرآن الكريم هو مصدر العلم والمعرفة.

ـ ثم يتوسع مجال القراءة في السنة والسيرة النبوية، فهي التطبيق العملي لقدوة الناجحين، وسيد الأولين والآخرين، مع ما تضيفه من العلوم والمعارف، وما تفتح فيه الذهن، وتشحذه نحو الإبداع في شعب الحياة المتنوعة.

ـ وبعدها القراءة في شعب العلم المختلفة بعامة، وبما يمس مشروع الإنسان بخاصة، ومتابعة المستجدات باستمرار.

2 ـ التأمل والتفكر في الكون والكائنات التي تتحرك فيه، وكيف أنها جميعًا تعمل وتتنشط في سبيل أن تعيش وتحسن أحوالها، وتؤدي رسالتها في الحياة، كالتفكر في أحوال بعض الحيوانات، مثل النمل والنحل والطير، قال الله تعالى: âوَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ á.

3 ـ الاستماع لأهل العلم والتلقي عنهم، سواء بالجلوس في حلقاتهم أو أخذ العلم منهم عن طريق وسائل الإعلام المتنوعة كالفضائيات والانترنت والكتب والصحف والنشرات وغيرها، قال الله تعالى: âفَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ á، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «العالم والمتعلم شريكان في الأجر ولا خير في سائر الناس».

ومن وجه آخر: هو استثمار لخبرة هؤلاء العلماء وتجربتهم، بحيث يتجنب مريد النجاح السلبيات التي قد يقع فيها، أو وقع فيها غيره، كما هي اختصار للزمن باستثمار تلك الخبرات.

¡  ¡  ¡

فالعلم قاعدة مهمة من قواعد النجاح والتفوق في الحياة حين يؤخذ بنوعيه، ويستند إلى عقيدة التوحيد الصحيحة، ويشهد التاريخ البشري ما قدّمه المسلمون في عصورهم الأولى من العلوم والمعارف للعالم، حتى تحولت بلادهم إلى مدارس وجامعات يأتيها القاصي والداني لينهلوا من علومها وفنونها.

ويتلخص مما سبق أن العلم بمفهومه الشامل عامل من عوامل النجاح.



بحث عن بحث