القاعدة الرابعة عشرة:

الحذر من معوّقات النجاح

وأخيرًا، فإن قواعد النجاح لا تكتمل إلا بمعرفة المعوّقات والصعوبات التي تقف حائلًا دون الوصول إلى النجاح وتحقيق الأهداف، ويمكن الإشارة إلى مجموعة من هذه المعوّقات عبر المحاور الآتية:

أولاً: ضعف العلاقة بالله تعالى:

وهو من أكبر المعوّقات التي تقف في طريق النجاح، للأسباب الآتية:

1 ـ لأن البعد عن الله يعني البُعد عن الحقائق الكونية وسننها، التي بيّنها الله في كتابه المبين، وفي سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: âوَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ á.

2 ـ البُعد عن الله يورث في النفس الاعتماد على الأسباب المادية وحدها التي لا تغني عن النجاح شيئًا بغير توفيق الله وإعانته، فكم من مشروع يفشل، وكم من تجارة تخسر، رغم توافر الأسباب والإمكانات المادية والبشرية الكفيلة بإنجاحها، لأن الله أراد لها أن تكون كذلك، فما يصيب الإنسان لم يكن ليخطئه وما يخطئه لم يكن ليصيبه.

3 ـ البُعد عن الله يقرّب الإنسان من المعصية والتمرد على الأخلاق والقيم، وهذا من شأنه أن يعطل مهاراته ومواهبه، بل يوجهها نحو الفساد والانحراف، أو يصرفها في سفاسف الأمور وصغائرها.

4 ـ إن البُعد عن الله يفقد الثقة بين الناس، لأنه يزرع فيهم الحسد والحقد والكراهية التي تمزّق المجتمع وتقطع أواصر التلاحم والتعاون بين أبنائه.

ثانيًا: قصور مفهوم النجاح على أمر جزئي :

من المعوّقات التي تعتري النجاح، أن يقتصر مفهوم النجاح عند الإنسان على أمر جزئي فحسب، وتغيب عنه النظرة الشمولية إلى النجاح في الميادين المختلفة.

مثال ذلك: إذا نجح ولي الأمر في تربية أبنائه على الأخلاق الحسنة والقيم العالية، لكنه لن ينجح في رفع مستواهم التعليمي، أو أنه أهمل هذا الجانب المهم في الحياة، فإن هذا النجاح الجزئي لا تحقق المصلحة الكبرى للأسرة والمجتمع، لأن العلم من أهم دعائم التقدم والسعادة للإنسان حين يكون موازيًا مع الأخلاق والقيم الإنسانية.

ثالثًا: عدم معرفة التصور الكلي للكون والإنسان والحياة :

إن الجهل بالسنن التي تربط الإنسان بالكون والحياة، يقف عائقًا أمام مسيرة النجاح وتحقيق الغايات الكبرى، حيث لا يستطيع الإنسان حينها أن يصل إلى حقيقة الأشياء من مصدرها الأصلي، بل يبقى عاجزًا أمامها، قال الله تعالى: âقُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ ﴿71 قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ á.

وهذا التصور يتمثل في علاقة الإنسان بأشياء الكون المختلفة من الكائنات والكواكب والماء والهواء وغيرها، وبالتالي علاقته مع الله الذي يدير هذا الكون ويقسّم فيه الأقدار والأعمار والأرزاق، كما يقدّر النجاح والفشل.

فوجود هذا التصور عند الإنسان يفتح أمامه أبواب النجاح على كل شيء، لأنه يتعرف من خلاله على الخالق المطّلع على خفايا الكون وأسراره التي كشف عن بعضها في كتابه المبين، فينطلق الإنسان من هذا التصور نحو الكون ومحتوياته ليستفيد منها ويسخّرها لنفسه ومجتمعه من أجل الوصول إلى تحقيق الأهداف المنشودة، قال الله تعالى: âيَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ á.

رابعًا: الفوضوية في الحياة :

إن الفوضوية، تعني غياب التخطيط والتنظيم من حياة الإنسان، وبالتالي عدم وجود أهداف واضحة لديه، فيتحرك من غير وعي أو تفكير، وتختلط عليه الأمور، فلا يميز بين الطيب والخبيث، فتارة يسير في الطريق الصحيح وتارة ينحرف عنه وهكذا، وهذه الفوضوية والتخبط يضيّع الأوقات، ويهدر الطاقات، ويقضي على المواهب والمهارات الكامنة في النفس، وبالتالي فهو عائق كبير في مسيرة  النجاح، قال الله تعالى: âأَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمْ مَنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ á.

وعجبًا للفوضويين والبعيدين عن تنظيم حياتهم أنهم لا يتدبرون خلق الله وإبداعه في هذا الكون، ومدى التنسيق والتنظيم بين أجزائه المختلفة من الكائنات والجمادات وغيرها، أفلا يأخذون من ذلك العبرة ليجعلوا حياتهم تسير بنظام وتخطيط وبرامج هادفة؟!

خامسًا: دنو الهمة، وضعف العزيمة والإرادة :

كما أن الإرادة، وثبات العزيمة، من مقوّمات النجاح والمضي في طريق التطور والارتقاء، فإن ضعف العزيمة والإرادة عائق نفسي كبير يقف في طريق النجاح، فمهما بلغت القوى والإمكانات، ومهما تهيأت الأجواء والفرص من أجل إنجاز أي مشروع، أو دعوة، أو الوصول إلى غاية، فإنها لا تفيد شيئًا إذا لم تكن ثمة إرادة وعزيمة تحرّكها وتقودها من البداية، فالناجحون هم أصحاب العزائم القوية، وقد وصف الله بعض أنبيائه عليهم السلام بأولي العزم، وهم الذين صبروا في طريق الدعوة وتحمّلوا ألوان الأذى والعذاب، وهم - على الأغلب -: نوح وإبراهيم وعيسى وموسى عليهم الصلاة والسلام، قال الله تعالى: âفَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ á.

سادسًا: القصور في الوسائل المؤدية لتحقيق الأهداف :

من المعوّقات المادية التي تقف حائلًا في طريق النجاح ضعف الإمكانات المادية، وقلّة الوسائل الضرورية، فكثير من الناس لديهم المواهب والقدرات والمهارات، ولكنهم يعجزون عن استثمارها والاستفادة منها لأسباب مادية ومالية، أو عدم وجود مراكز ومؤسسات تحتضنهم وتوليهم الرعاية والعناية، وهذه من السلبيات الكبيرة التي يعاني منها كثير من المجتمعات والبلدان في العالم الإسلامي، والمسؤولية في هذه الحال على عاتق أصحاب النفوذ، ومن بأيديهم زمام الأمور من الوزراء وغيرهم.

سابعًا: التشاؤم في كل عمل وحدث :

التشاؤم هو النظر إلى الأشياء بسوداوية، بحيث لا يُرى الخير والصلاح في أي شيء، وهو من العوامل النفسية التي تقف حاجزًا في طريق النجاح، لأنه يثبط الإرادة عند الإنسان نحو الحركة والعمل، فلا يميز المتشائم بين الذي يعمل ويأخذ بالأسباب، وبين الذي لا يعمل ولا يتحرك، فالكلّ عنده سواء، والنتيجة واحدة هي عدم تحقيق أي هدف.

وهذا شعور نفسي سلبي، يحدث لدى كثير من المرضى الذين يطول معهم المرض، فيفقدون الأمل في الشفاء، حيث يملّون وييأسون من مراجعة الأطباء، أو تناول العقاقير والأدوية.

وقد نهى الله عن هذه النظرة المظلمة في الحياة، بل أمر بالتفاؤل والأمل بالخير دائمًا، فقال جلّ وعلا على لسان يعقوب عليه السلام: âيَا بَنِي اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ á.

فبداية الآية تحثّ على التفاؤل والأمل، حيث لم يقطع يعقوب عليه السلام الأمل في الوصول إلى يوسف عليه السلام، وأنه لا يزال على قيد الحياة، وقد كان حدسًا صائبًا، فقد تحقق اللقاء معه ورؤيته فيما بعد.

ونهاية الآية تحذّر من اليأس والقنوط من رحمة الله، والتي هي من صفات الكافرين.

وصدق الشاعر القائل:

يا صاحب الهمّ إن الهمّ منفرج
اليأس يقطع أحيانًا بصاحبه
الله يحدث بعد العسر ميسرة
إذا بليت فثق بالله وارضَ به
والله ما لَكَ غير الله من أحدٍ

  أبْشِر بخير فإن الفارج الله
لا تيأسن فإن الكافي الله
لا تجزعن فإن الصانع الله
إن الذي يكشف البلوى هو الله
فحسْبُكَ الله في كلِّ لك الله

ثامنًا: النظرة السلبية في التعامل مع الناس :

من عوائق النجاح التي تحول دون تحقيقه، النظرة السلبية إلى الناس في التعامل والسلوك، فلا يُذكر محاسن الناس وإيجابياتهم، بل التركيز على سلبياتهم ونواقصهم، ومن ثمّ بناء الأحكام والعلاقات على هذه النظرة، وهذا التصور في التعامل كفيل أن يمزّق روح التعاون بين الناس، ويشتت طاقاتهم، ويقتل فيهم المهارات والمواهب، لأنه ينشئ النزاعات والعداوة بينهم.

وقد نهى الله الانشغالَ بعيوب الناس والتنقيص من شأنهم، بالاستهزاء أو السخرية وغيرها، فقال جل وعلا: â يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ á.

والبحث عن عيوب الناس ومساوئهم مضيعة للوقت، وهدر للطاقات، إذ لا يخلو إنسان من النواقص والعيوب، كما عبّر الشاعر عن ذلك بقوله:

لسانُك لا تذكر به عيب امرئ
وعينك لا تنظر بها لعورة امرئ

  فكلُّكَ عيوبٌ وللناس ألسنُ
فكلُّكَ عورات وللناس أعين

تاسعًا: قيام الحياة والأعمال على الظن السيئ :

إن الظن السيئ بالناس يحجب الثقة بينهم، وبالتالي ينعدم التعاون وتبادل الخبرات والمعلومات بينهم، ويصبح كل فرد يعمل لنفسه حسب الإمكانات الفردية المتاحة له، فتقف قافلة النجاح عن المسير، وتشل حركة التطور والتقدم، وتتراجع خطط التنمية إلى الوراء، لذا جاء الحثّ على حسن النية، والتحذير من سوء الظن في قول الله تعالى: âيَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ á. وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث».

عاشرًا: الأنانية في النظرة إلى الأشياء، والاستفراد بالقرارات:

إن الاستفراد بالرأي، والحكم على الأشياء من زاوية واحدة، ومن ثم بناء الأحكام والقرارات على ذلك، من أهم معوّقات النجاح، لأن الإنسان مهما بلغ من العلم والمعرفة، ومهما أوتي من المال والقوة، فإن تفكيره يبقى قاصرًا، وعمله يبقى ناقصًا، وإنه بحاجة دائمة إلى استشارة أهل التخصص والرأي، لذا كان مبدأ الشورى من أهم المبادئ التي دعى إليها الإسلام حتى يسير العمل في الطريق الصحيح، قال الله تعالى: âفَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَá، وقال جل ثناؤه: âوَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ á.

¡  ¡  ¡

كانت تلك بعض المعوّقات والتحديات التي تقف حائلا دون تحقيق النجاح وتعطيل مسيرته، ولا شك أن جميعها من صنع الإنسان وداخلة في دائرة إرادته، وهي نتائج وآثار لأنماط من التربية الخاطئة في المراحل العمرية الأولى، سواء في البيت من قبل الوالدين، أو في المؤسسة التعليمية من قبل المدرسين والمشرفين، أو في المحاضن الاجتماعية الأخرى من قبل المربين والمصلحين الاجتماعيين، وغيرها من الميادين.

ولتفادي هذه المعوّقات، والحدّ من تأثيرها السلبي على مسيرة النجاح في المجالات المختلفة، لا بد من إعادة النظر في أخطاء الماضي وتصحيحها بصورة عاجلة، وفق التعاليم الإسلامية الصحيحة في مجال العقيدة والعبادة والسلوك والأخلاق، وتطبيقها على الواقع من قبل الجميع، وأن يكون المربّي في البيت والمدرسة قدوة عملية لهذه التعاليم أمام الأبناء والطلاب، حتى لا يحدث انفصام وانفصال لدى النشء بين الجانب النظري والتطبيقي لمبادئ الإسلام وتعاليمه، كما هو حاصل في كثير من الميادين التربوية والتعليمية.



بحث عن بحث