الـمقدمة   

الحمد لله حمدًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، وأتباعه إلى يوم الدين، وبعد:

مع توسع المجتمعات، وتشعب علاقات الأفراد ببعضهم، ومع تزاحم المسؤوليات، وضغوطات الحياة، تكون الحاجة ماسة إلى إدارة الوقت والحياة، وتنظيم الحركة والعمل، بشكل مدروس، وعلى أسس متينة لعمارة الأرض، ونشر التقدم والسعادة في ربوعها.

والإنسان المعاصر محاط بمجموعات ضخمة من المسؤوليات والالتزامات، منها: مسؤوليته الشخصية عن ذاته في المحافظة على العبادات والطاعات، والعناية بالصحة والاهتمام بالمظهر، وممارسة الرياضة، وبعض النشاطات الخاصة، وكذلك مسؤوليته في عمله وما يترتب عليه من واجب الدوام لساعات طويلة، والقيام بالأعمال الموكلة إليه، وضرورة الالتزام بقوانين العمل وآداب التعامل مع الجمهور، وأيضًا مسؤوليته عن أهل بيته من الزوجة والأبناء، في النفقة عليهم وتأمين ما يحتاجون إليه من لوازم وحوائج، والحرص على تربيتهم وتعليمهم وتوجيههم نحو المسار الصحيح، وغيرها من المسؤوليات والواجبات التي أصبحت ترهق الكواهل والعقول.

فهذه الحال تفرض على الإنسان مجموعة من الاعتبارات اللازمة التي لا بدّ منها، من أجل إدارة الحياة وتنظيم الأوقات بصورة ناجحة، ومن هذه الاعتبارات:

1 ـ الإحسان الكامل بالمسؤولية في الحياة، حيث إن الإنسان محاسب على كل شيء يتعلق به، من المال والصحة والفراغ وغيرها من النعم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تزول قدما عبد حتى يسأل عن عمره فيما أفناه، وعن علمه فيما فعل، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن جسمه فيما أبلاه».

2 ـ ضرورة تحقيق النجاح والصلاح في الحياة؛ لأنه جزء من رسالة الإنسان في الأرض كما أنه ذخر ورصيد له في الآخرة، حيث يمتد أثر العمل الصالح في الدنيا حين تتوارث الأجيال الاستفادة منه، كما يمتد الأجر ويتضاعف مع ديمومة هذا العمل في الدنيا، لقول النبي عليه الصلاة والسلام: «إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له».

3 ـ التعامل الإيجابي مع الكون بكل أجزائه، وذلك بعمارته على الخير والتقوى، والاستفادة منه لتحقيق المصالح العامة للناس، والابتعاد عن العبث بمعالمه أو الإفساد فيها، حتى يتحقق التوازن بين الموجودات المختلفة، لتقوم بأداء وظيفتها بصورة سليمة وصحيحة.

4 ـ المحافظة على حقوق الآخرين، وعدم الاعتداء على أحد في ماله،         أو نفسه، أو عرضه، أو أي حق من حقوقه الإنسانية والمادية، حفاظًا على سلامة الإدارة والتنظيم، حيث لا يتحقق أي نجاح أو إبداع بوجود الظلم والاعتداء على حقوق الناس.

5 ـ تحقيق التوازن بين حاجات الجسد والروح والعقل، بحيث لا يطغى جانب على آخر، فلكل جانب حقه المشروع والواضح في دين الله، فالجسد يحتاج إلى العناية والنظافة والراحة والنوم، والروح تحتاج إلى الإيمان والسكينة والاطمئنان، والعقل بحاجة إلى التأمل والتدبر والقراءة والعلم والمعرفة وهكذا. وأي خلل في تأمين حاجات هذه الجوانب الثلاثة، أو طغيان أحدها على الآخر سيحدث خللًا في سلامة الإدارة والقيادة لأمور الحياة.

6 ـ الشعور بأن كل عمل في الحياة ليس منفصلاً عن أعمال الآخرين، بل هو إنجاز وإضافة إلى ما قام به السابقون، ليكمل عليه اللاحقون بما يقدمونه من إنتاج أو إبداع.

7 ـ ضرورة التفاعل مع الاستثمار الجاد والعمل الناجح، لدفعه نحو الأفضل في المستقبل، لأن النجاح ليس له حدود يتوقف عندها، فكل خطوة ناجحة في أي مجال إنما هي أساس لنجاحات أكبر وإبداعات أعظم في المستقبل.

وبعد هذا التأمل السريع يتضح لنا أننا بحاجة لإدارة وقتنا وحياتنا إدارة نوعية تتحقق من خلالها طموحاتنا وأهدافنا. هذه الإدارة تتمثل في:

1 ـ الاستفادة من الوقت المتاح لنا.

2 ـ الاستفادة من المواهب والقدرات الممنوحة لنا من الله تعالى.

3 ـ الاستفادة من الإمكانات التي لم تهيأ لغيرنا.

4 ـ ومن ثم: لبلوغ أهدافنا في الدنيا والآخرة.



بحث عن بحث