الوقفة الرابعة:

عوامل مضيِّعة للوقت

من أهم التحديات التي تواجه الإنسان في عمله، وتحول دون تحقيق طموحاته هي العوامل المضيِّعة للوقت، وهي كثيرة لا يمكن عدّها أو حصرها، ولكن يمكن الإشارة إلى المهم منها:

1ـ عدم وضوح الهدف عند الإنسان، والذي يشتت الطاقات، ويهدر الأوقات، ويبعثر الجهود من غير فائدة ملموسة؛ لأن ضبابية الهدف وعدم وضوحه، تشلّ آلية التركيز عند الإنسان، فتراه ينتقل من حال إلى حال، ومن عمل إلى آخر قبل أن ينهيه، حتى يصبح هذا السلوك ـ أحيانًا ـ نوعًا من المرض النفسي، فيكلّ ويملّ من المواظبة في العمل والمتابعة؛ لأن الهدف لم يتضح لديه من البداية.

والناظر لحال الإنسان الذي يدير حياته بخطوات مدروسة وثابتة، يجد أنه قد وضع الأهداف واضحة أمامه منذ اللحظة الأولى، ولعل خير مثال في هذا الباب هو حياة النبي صلى الله عليه وسلم التي كانت مليئة بالنجاحات المتتالية، في أوقات قياسية قصيرة، لأنه عليه الصلاة والسلام وضع أمامه أهدافًا واضحة يسعى لتحقيقها، فقد جعل الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة سبيلًا لنشر الإسلام بين الناس، كما عدّ القدوة بالقول والعمل من العوامل المهمة والمؤثرة في دخول الناس لدين الله تعالى، فكان نِعْمَ الداعية ونعْمَ القدوة، فتحقق ما كان يصبو إليه وهو وصول رسالة الإسلام إلى الناس في أصقاع المعمورة.

2 ـ التسويف: وهو مرض فتّاك يصيب الإنسان في عامل الزمن لديه، فلا أضرّ على الوقت والزمن من التسويف، وهو تأجيل المهام والأعمال عن أوقاتها لآجال أخرى، وهو نتيجة ضعف الإنسان وفقدان الإرادة أمام المسؤولية والأعمال الموكلة إليه، حيث يتوهم الصعوبة في هذه المهام، أو أنه لا يجد الراحة عند القيام بها.

والتسويف من أشدّ مضيعات الوقت، كمن يقول: سوف أفعل غدًا كذا وكذا، أو في الأسبوع القادم، أو الشهر القادم، كالحج مثلًا، فإذا جاء ذاك الوقت أهمل الأمر وسوّفه إلى أجل آخر، وهذه حالة نفسية خطيرة، فهي:

أ ـ تضيّع الأعمال والأزمان في الهباء.

ب ـ وتزرع الانهزامية في النفس.

ج ـ كما أنها تعارض مفهوم عالم الغيب، حيث لا يعلم أحدٌ ما يعرض له في غده، هل سيبقى سليمًا معافى، أم يصبح عاجزًا أو مودعًا للدنيا، وصدق الشاعر القائل:

تزوّد من التقوى فإنك لا تدري

  إن جنّ ليل هل تعيش إلى الفجر

لذلك جاء التحذير من التسويف. قال الحسن: «إياك والتسويف، فإنك بيومك ولست بغدك»، وقال: «وإياك والسين وسوف فإنهما من جنود إبليس». وجاء في الأثر: «لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد».

3ـ الإرهاق والتعب: من المعوّقات التي تقف حائلًا في طريق الإدارة الناجحة، الإرهاق الشديد والتعب المضني، من جراء ضغوطات الحياة وكثرة مسؤولياتها، حيث تخل هذه المشكلات بالمهام الموكلة للإنسان والقضايا الكبرى المتعلقة به وبالمؤسسة التي يديرها والمجتمع الذي ينتمي إليه، وخاصة إذا رافق ذلك مرض أو صداع أو حالة نفسية.

والعلاج لهذه الحالة هو الخروج من حالة العمل والضغط النفسي إلى الهدوء والراحة والاستجمام، لساعات، أو أيام، أو شهور أحيانًا، حسب حجم الحالة ووطأتها على النفس والبدن.

إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحتجر حصيرًا بالليل فيصلي، ويبسطه بالنهار فيجلس عليه، فجعل الناس يثوبون إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيصلّون بصلاته حتى كثروا، فأقبل فقال: «يا أيها الناس، خذوا من الأعمال ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا، وإن أحب الأعمال إلى الله ما دام وإن قل».

الاجتماعات الروتينية: وهذه مضيعة كبيرة تتكرر كثيرًا في مناخ المؤسسات والإدارات المختلفة، حيث تهدر الأوقات والطاقات إذا تجاوزت حدودها، وقد يصيب كثير من مدير الإدارات والمؤسسات بداء الاجتماعات، وإن كانت على أشياء بسيطة لا تستدعي أخذ كل هذه الأوقات.

وأحيانًا أخرى؛ فإن ثمة أمور متعلقة بالاجتماعات الإدارية، ولكنها ـ أيضًا ـ تضيّع الأوقات مثل:

أ ـ عدم التحضير للاجتماع بالشكل المطلوب.

ب ـ عدم التزام جميع الأعضاء المعنيين بالحضور.

ج ـ عدم التزام الأعضاء بالمواعيد المقررة للاجتماعات.

د ـ المناقشة على أمور صغيرة يمكن علاجها بقرارات فردية أو عبر التواصل بالهاتف.

هـ ـ عدم كتابة محاضر الاجتماعات بشكل دقيق.

و ـ عدم الالتزام بتنفيذ القرارات الصادرة عن الاجتماع.

وأما على المستوى الاجتماعي فثمة اجتماعات روتينية لا هدف لها، مضيّعة للوقت، وتأخذ من عمر الإنسان وقتًا كبيرًا لا يستفيد منه؛ بل أصبحت داء يحتاج إلى علاج.

5ـ المهاتفات التلفونية: فقد وُجد الهاتف بالأصل لاختصار الأوقات والمسافات، من أجل إنجاز الأعمال بسرعة، ولكنه حين يستخدم في غير هذا المحل يتحوّل إلى آلة مضيّعة للوقت ومهدّرة للجهد والطاقة، ويتم ذلك إما بكثرة استخدامه وإجراء مكالمات كثيرة ليست ذات أهمية كبيرة، أو يكون استخدامه أقل، ولكن لأوقات طويلة، فمن الناس من يجلس على مكالمة واحدة وقتًا طويلًا في حديث غير مهم.

ومن الناس من يستخدم الهاتف في غير محله أثناء أوقات الدوام في مكان عمله في أمور خارج إطار العمل، وهو يهدر بذلك وقت المؤسسة ومالها الذي أوكل باستثماره والحفاظ عليه.

وقد يبرر البعض أن في المحادثات الهاتفية نوع من الترويح للنفس، والتخلص من أعباء المسؤوليات، وخاصة النساء داخل البيوت، وهو أمر مقبول إذا كان ضمن الحدود المعقولة، إلا أن كثيرًا من النساء يستخدمون الهاتف بشكل سلبي، حين يتجاوز حدود المعقول، من حيث إطالة المكالمة وإكثارها، أو من حيث موضوع المكالمة الذي لا يرقى إلى معالي الأمور؛ وهذا يكون على حساب تربية الأبناء، أو أداء حقوق الزوج، أو غير ذلك.

والخطوة الصحيحة في الاستفادة من الهاتف، أن يضع المتكلم في ذهنه خطة أو تصورًا، قبل المهاتفة أو المكالمة، مثل: الهدف من المكالمة، وأهميتها، والوقت الذي يجب أن تستغرقه وغير ذلك. وحينها يستفيد من الهاتف فائدة عملية ويتجنب مساوئ المكالمات الهاتفية وسلبياتها.

6 ـ الانتظار : قاتل للوقت، ومهدر له بجميع أشكاله، وهو ناجم في كثير من الأحيان عن الفوضى وعدم التنظيم، فالإنسان الذي يريد مقابلة أحد أو انتظار آخر، يجب أن يكون دقيقًا في مواعيد المقابلة، لأن أي تأخير من أحد الطرفين يكون على حساب وقت الطرف الثاني، وكذلك الأمر لجميع الأحوال التي يمرّ بها الإنسان، ولتفادي ذلك ينبغي وضع تصوّر ومخطط للحفاظ على الوقت وعدم ضياعه في الانتظار، فقبل أن يذهب إلى موعد للقاء موظف، أو عيادة طبيب، أو مراجعة مؤسسة، عليه أن يتصل هاتفيًا ويحدد موعدًا لذلك حتى لا يتفاجأ بالانتظار الطويل هناك.

وفي الحالات الاضطرارية التي يكون الانتظار فيها مفروضًا على الإنسان فعليه أن يستغله بأي إنجاز مفيد، كالذي ينتظر إقلاع الطائرة في صالة الانتظار، أو المسافر في رحلة طويلة، أو أية حالة أخرى، فثمة أساليب كثيرة للاستفادة من الوقت واستثماره بما ينفع ويفيد، كقراءة القرآن، أو ذكر الله تعالى والاستغفار، أو القراءة في كتاب نافع، أو الدخول إلى الانترنت عبر الحاسب المحمول، وغير ذلك.

7 ـ صحبة الأصدقاء الأعداء، الذين يقتلون الأوقات في سفاسف الأمور، وفي السلوكيات الفوضوية، كالإكثار من الاجتماعات والزيارات غير المبرمجة، والمجاملات المصطنعة وقضاء الساعات الطوال في ذلك.

8 ـ متابعة الإعلام بشكل مفرط، والمكوث أمام الفضائيات لساعات طويلة، من غير فائدة أو مصلحة، مع العلم أن معظم ما يعرض في الفضائيات في هذا العصر هو فساد للأخلاق وانحلال للقيم، فضلًا عما تروّجه هذه الفضائيات من أفكار وعقائد باطلة، وأما ما ينفع الناس في دينهم وأخلاقهم وعلومهم واقتصادهم وقضاياهم المصيرية فتكون هوامش جانبية لعروضهم الأساسية.

والكلام نفسه، حول الجلوس الطويل على الانترنت والدخول في المنتديات والمواقع التي تضر ولا تنفع.

9 ـ الاسترخاء الزائد، المتمثل في النوم المتواصل، أو الترفيه الذي يجاوز حدوده، أو الخروج للرحلات بصورة دائمة، كل ذلك من عوامل هدر الوقت وحجر الفكر، وضعف الإنتاج، رغم أنها ضرورية للإنسان حين تكون معقولة ومعتدلة، إلا أنها تنقلب إلى مفسدة وضرر حين تتجاوز حدودها، فكثير من الناس يقضون معظم أيام السنة في مثل هذه الأمور، وهم بذلك يرتكبون إثمًا كبيرًا بحق أزواجهم وأبنائهم، وتؤدي - في النهاية - إلى تفكك الأسرة وانحراف أبنائها، كما تساهم في نشر الاتكالية والاعتماد على الآخرين في سير أمور العمل وطبيعة الإنتاج، خاصة إذا كان هؤلاء من أصحاب الأموال والشركات.

10ـ المبالغة في الدقة والمتابعة من أجل الوصول إلى الكمال، وهي مثالية مناقضة لطبيعة الإنسان الذي يخطأ ويتعثر، وكثيرًا ما ينتج عن هذا السلوك في الإدارة الفشل والخسارة، لأنه يهدر الأوقات والطاقات خارج دائرة الواقعية والفطرة الإنسانية.

11ـ المحرمات بجميع أشكالها مضيّعة للأوقات، ومصرّفة للأموال، ومبعثرة للقدرات والطاقات، فضلًا عن أنها إثم ومعصية لله، فهي تجمع بين السوءتين: ضياع الوقت ومعصية الرب.

12ـ الاشتغال بالمفضول والاهتمام به، مما يضيع الفاضل وفوائده، وهو خطأ في ممارسة الإدارة، كالمدير أو المسؤول الذي يحصر فكره، ويجمع تركيزه على أمور هامشية، ويترك القضايا المهمة التي يتوقف عليها مصير أسرته، أو طلابه، أو وزارته، أو شركته ومؤسسته.

وربما يخطأ البعض في إدارته، فيعتمد على غير المتخصص ذي الخبرة الضعيفة، ويترك المتخصص صاحب الخبرة والتجربة الطويلة.

وفي الحالتين يضيّع هذا المسؤول الأوقات في غير منفعة، الأمر الذي يؤدي إلى نتائج وخيمة على المستويات المختلفة.

13ـ الروتين المتكرر: وهو البقاء على الحال نفسه لشهور أو سنين، من غير تطور، أو تجديد، سواء في إدارة البيت، أو العمل، أو في نوعية الإنتاج وغزارته، وهكذا.

والروتين من صنع أيدينا، حيث نستطيع أن نجدد الحياة في كل يوم، ونستطيع أن نضيف إلى روتينا أشياء جديدة ومفيدة كل يوم، بل نستطيع أن نغيّر ونجدد في سلوكنا المألوف، ليصبح سلوكًا أرقى وأفضل يومًا بعد يوم، وينطبق ذلك على الوالد في البيت مع زوجته وأبنائه، وكذلك الأم مع زوجها وأبنائها، والمدير في إدارته، والمدرّس مع طلابه.

والقائمة تطول في ذكر مضيّعات الوقت، ومعظمها بيد الإنسان الذي يستطيع المحافظة عليه، واستثماره في المفيد لنفسه، وأهله، ومجتمعه، وأمته.



بحث عن بحث