القاعدة العاشرة: التقويم والمحاسبة

يتمثل التقويم والمحاسبة في مراقبة النفس بين الحين والآخر، لمعرفة ما وقعت فيه من الأخطاء للرجوع عنها وتفاديها في المستقبل، ويستطيع الإنسان فعل ذلك ما دام في الدنيا، فعنده الوقت لتصحيح أخطائه وتقويم عمله وإنتاجه بشكل أفضل، فحسابُ النفس في الدنيا يخفف حسابَها في الآخرة، وَرَدَ عن عمر بن الخطاب قوله: «حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا، فإنه أخف عليكم في الحساب غدا أن تحاسبوا أنفسكم اليوم وتزينوا للعرض الأكبر، كذا الأكبر âيَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ á».

وثمة مجموعة من الآليات التي تعين الإنسان على مراقبة نفسه وأعماله، منها:

1 ـ مراقبة الله تعالى في السرّ والعلن، وأنه يسمع ويرى، ولا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، قال جلّ وعلا: âأَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ á.

وصدق القائل:

إذا ما خلوت الدهر يومًا فلا تقل
ولا تحسبنّ الله يغفل ساعةً

  خلوت، ولكن قلْ عليّ رقيبُ
ولا أن ما نخفيه عنه يغيبُ

2 ـ استشعار حجم الخطأ في النفس، وعدم التهاون أو الاستصغار من شأنه، فالعبد الذي يستصغر الأخطاء ويتهاون فيها، إنما يبني لنفسه جبالًا من المعاصي، لأن مجموع هذه الصغائر تشكّل في المستقبل عوائق كبيرة في إدارة نفسه وأهله ومجتمعه، قال النبي عليه الصلاة والسلام: «إياكم ومحقرات الذنوب فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه».

3 ـ حسن الظن بالله تعالى، واليقين بقرب رحمته وعفوه من العباد، قال الله تعالى: âقُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ á.

4 ـ الابتعاد عن المراقبة السلبية، المتمثلة في جلد الذات وتأنيبها في كل الأوقات، والحسرة الدائمة على ما حدث في الماضي، لأن ذلك يورث في النفس العجز واليأس للقيام بأي عمل وتطويره، قال الله تعالى: âلِكَيْ لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ á.

5 ـ وضع برنامج تقييمي يحدد فيه الإنسان أوقاتًا معينة للمراجعة والمحاسبة، وليكن على مستوى فترات زمنية قصيرة، كأن يقعد مع نفسه في الأسبوع ساعة أو ساعتين، ويعيد شريط أعماله خلال تلك الفترة، لمعرفة الأخطاء التي وقعت لتفاديها وإيجاد العلاجات لها، ولمعرفة الإيجابيات التي تحققت في ذلك الأسبوع للاستمرار عليها وتطويرها نحو الأفضل.

وللمحاسبة والتقويم ثمرات عديدة، منها:

1 ـ رضا الله تعالى، لأن الله يفرح بتوبة عبده، وإنابته إليه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الله أفرح بتوبة عبده من أحدكم سقط على بعيره وقد أضله في أرض فلاة».

2 ـ الوصول إلى مرتبة الإحسان التي قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل: «الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك».

3 ـ أنها تحفّز على الجدّ والعمل، وعدم التكاسل والتماطل فيه، لأنها تكشف الأخطاء السابقة للإنسان فيتفادها في المستقبل، ولولا المراقبة لـمّا تبيّن للإنسان تلك الأخطاء وربما وقع فيها مرة تلو الأخرى.

4 ـ بناء الثقة في النفس، والثبات على طريق النجاح، لأن الاعتراف بالخطأ يعني المضي في الطريق الصحيح، وإن عدم الالتفات إلى كلام الناس عند التراجع عن الخطأ من أهم مقوّمات بناء الشخصية القويمة والقوية.

5 ـ في المراقبة والتقويم تحقيق لمبدأ العدل وإرجاع الحقوق لأصحابها، لأن كثيرًا من المظالم تقع على الناس وتستمر لفترات طويلة بناء على مقدمات خاطئة وقعت من غير محاسبة أو مراقبة.



بحث عن بحث