المبحث الثاني

الـمفطرات المعنويـة

المفطرات المعنوية:

المراد بها: كل ما يؤثر على الصيام من غير المفطرات الحسية، كالأكل والشرب، والجماع، ونحو ذلك.

وأكثر ذلك يتعلق بحواس الصائم، وجوارحه، ثم إن أكثر تلك الجوارح تأثيرا على الصوم، ثلاثة:

اللسان - وهو أكثرها-  والعين، والأذن.

اللسان: هو ملاك هذه الأعضاء كلها ورئسها، وهو: عضلة صغيرة في فم الإنسان، أوجب الله على ابن آدم حفظها في كل حال.

فعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فأصبحت يوما قريبا منه ونحن نسير فقلت يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار، قال: «لقد سألتني عن عظيم، وإنه ليسير على من يسره الله عليه؛ تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت». ثم قال: ألا أدلك على أبواب الخير؟ «الصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما تطفئ الماء النار، وصلاة الرجل من جوف الليل»، قال: ثم تلا âتَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ á حتى بلغ âيَعْمَلُونَá ثم قال: ألا أخبرك برأس الأمر كله، وعموده، وذروته، وسنامه؟ قلت: بلى يا نبي الله، فأخذ بلسانه، قال: «كف عليك هذا». فقلت يا نبي الله وإنا لمؤاخذون مما نتكلم به؟ فقال: «ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم».

فقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث خطورة اللسان على الإنسان، وكيف استأثر بأكثر الأعمال، حتى صار من ملك عليه لسانه حاز الأمر كله.

وقد وردت نصوص كثيرة، في  الحث على حفظ اللسان والتحذير من إطلاقه في كل كلام، وبينت النصوص خطورته على صاحبه.

قال الله تعالى:âمَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ á [ق: 18].

وقال صلى الله عليه وسلم: «من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة».

قال أهل العلم: ما بين لحييه يعني: اللسان، وما بين رجليه يعني: الفرج.

وقال عليه الصلاة والسلام: «أمسك عليك لسانك وليسعك بيتك وأبك على خطيئتك».

وقال عليه الصلاة والسلام: «إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالا يرفع الله بها درجات وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا يهوي بها في جهنم».

وقال صلى الله عليه وسلم: «ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم».

وقد وردت أحاديث أخرى تحث الناس على طهارة أفواههم من آثار حصائد ألسنتهم في رمضان؛ تأكيدا في حق الصائم، وإلا فإن كل ما نهي عنه في رمضان، فإنه منهي عنه أيضا في غير رمضان غير أنه في رمضان آكد.

فقد بوب النووي على صحيح مسلم: باب حفظ اللسان للصائم، ثم أورد حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا أصبح أحدكم يوما صائما فلا يرفث ولا يجهل فإن امرؤ شاتمه أو قاتله فليقل إني صائم إني صائم».

وقال صلى الله عليه وسلم: «الصيام جنة، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث، ولا يصخب فإن سابه أحد، أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم».

وقد فهم من هذا الحديث والأحاديث التي قبله، والأحاديث الأخرى، أنه ينتج عن اللسان قبائح ينهى عنها الإنسان، عامة، وهي في رمضان آكد، وهي: الرفث، والصخب، والجهل، والسباب، وقول الزور.

الرفث: فقد قال في اللسان: أصل الرفث، قول الفحش، والرفث أيضا الفحش، من القول وكلام النساء في الجماع، تقول: رفث الرجل وأرفث ..... ورفث في كلامه يرفث رفثا ورفث رفثا ... أفحش وقيل: أفحش في شأن النساء. والرفث، كلمة جامعة لكل ما يريده الرجل من المرأة.

قال أبو عبيدة : الرفث: اللغو من الكلام. يُقال: رفث في كلامه يرفث، وأرفث إذا تكلم بالقبيح، ثم جعل كناية عن الجماع وعن كل ما يتعلق به، فالرفث باللسان: ذكر المجامعة وما يتعلق بها، والرفث باليد، اللمس، وبالعين : الغمز، والرفث بالفرج: الجماع.

وبناءً على ما سبق: فمن أحكام الصيام أنه يحرم على الصائم الرفث، وهو الكلام الفاحش، ومقدمات الجماع. فالرفث مع الزوجة يختص تحريمه في نهار رمضان للصائم، ويجوز له الرفث مع امرأته في ليال رمضان بين المغرب، والفجر، وكذلك في غير رمضان.

أما مع غير الزوجة، فإنه يحرم على المسلم في كل وقت، وفي كل لحظة من حياته، وهو في رمضان آكد.

قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث، ولا يصخب فإن سابه أحد، أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم» .

قال الداودى: تخصيصه في هذا «ألا يرفث ولا يجهل»، وذلك لا يحل في غير الصيام، وإنما هو تأكيد لحرمة الصوم عن الرفث والجهل، كما قال تعالى في الأشهر الحرم âفَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ á [التوبة: 36]، فأكد حرمة الأشهر الحرم، وجعل الظلم فيها آكد من غيرها، فينبغي للصائم أن يعظم من شهر رمضان ما عظم الله ورسوله، ويعرف ما لزمه من حرمة الصيام.

والصخب: هو رفع الصوت بالكلام السيئ في الخصام وغيره.

قال في اللسان: الصخب الصياح والجلبة وشدة الصوت واختلاطه ... وقد صخب بالكسر يصخب صخبا .... ورجل صخاب وصخب وصخوب وصخبان شديد الصخب كثيرة .

ولذا فإن الصائم ينبغي له أن يعيش يومه بسكينة ووقار، وأخلاق عالية، وعدم السب والشتم ورفع الصوت بالقبيح من الكلام، وقد نهى الله تعالى عن الجهر بالسوء من القول في كل وقت وحين، فقال تعالى: âلَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا á [النساء: 148] وهو للصائم آكد.



بحث عن بحث