5 ـ تجنب رفقة السوء: (الإنسان أليف بالطبع، لابد له أن يعيش مع الناس، والناس لهم إراداتٌ وتصورات، واعتقادات، فيطلبون منه أن يوافقهم عليها، فإن لم يوافقهم آذوه وعذبوه، وإن وافقهم حصل له الأذى والعذاب من وجهٍ آخر، فلابد له من الناس ومخالطتهم، ولا ينفك عن موافقتهم أو مخالفتهم. وفي الموافقة ألم وعذاب، إذا كانت على باطل، وفي المخالفة ألم وعذاب، إذا لم يوافق أهواءهم واعتقاداتهم وإراداتهم، ولا ريب أن ألم المخالفة لهم في باطلهم أسهل وأيسر من الألم المترتب على موافقتهم)

هذا هو تأثير الرفقة على المسلم.. فلربما سهلّوا له أمر الفطر في رمضان..، ولربما خجل من مصاحبتهم وهو لا يفعل مثل أفعالهم.. ولربما قادوه إلى الهاوية.. وهو يجاريهم، ويفعل فعلهم.. ويتخبطه شيطان رفقة السوء ويقوده إلى وادي سحيق عميق.. يبعده عن ربه ومولاه..وخالقه ورازقه.. ولا يزال في السيئات.. سيئة تجرُّ أُختها.. حتى يغرق في وحل المعاصي.. وصديد الذنوب.. وكم من معصية كان سببها رفيق سوء..!.

نقل الماوردي عن بعضهم قوله: (إنما سمي الصديق صديقًا لصدقه، والعدوُّ عدوًا لعَدْوه عليك، أي: تجاوزه وتعديه).

الاجتماع والخلطة لقاح: إما للنفس الأمارة، وإما للقلب والنفس المطمئنة، والنتيجة مستفادة من اللقاح؛ فمن طاب لقاحه طابت ثمرته، قال تعالى: âوَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا ﴿27 يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا ﴿28 لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا á [الفرقان: 27 – 29] وفي الآخرة تكون البراءة منهم قال الله تعالى: âالْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ á [الزخرف: 67].

فمن تذكر خنق الفخ، هان عليه هجران الحبة! ومن تذكر الحسرة والندامة التي تصيب الإنسان يوم القيامة جزاء رفقته السيئة، ضحى بكل رفيق يقوده إلى الحسرة.. و(ألم يسير يُعْقبُ لذة عظيمة دائمة أولى بالاحتمال من لذةٍ يسيرة تُعقب ألمًا عظيمًا دائمًا، والتوفيق بيد الله).

قال ابن القيم رحمه الله: (وكم جلبت خلطة الناس من نقمة، ودفعت من نعمة، وأنزلت من محنة، وعطلت من منحة، وأحلَّت من رزية، وأوقعت في بلية؟ وهل آفة الناس إلا الناس؟ فالصاحب ساحب.. وقل لي من تصاحب أقل لك من أنت!

وقال بعض الأدباء: يُظنُّ بالمرء ما يظن بقرينه.

وقال عدي بن زيد:

عن المرء لا تسأل وسَلْ عن قرينه
إذا كنت في قـوم فصاحب خيـارهـم
  فكلُّ قرين بالمقارن يقتدي
ولا تصحب الأردى فتردى مع الردي

(فإذا لزم على أصطفاء الإخوان سَبَر أحوالهم قبل إخائهم، وكشف عن أخلاقهم قبل اصطفائهم..).

وقد ذكر الله سبحانه أحوال القرناء مع قرناءهم يوم القيامة.. وعند دخول النار.. وتبرأ بعضهم من بعض.. ما يحتاط الإنسان معه إلى تركهم، وتجنّب مجالسهم؛ لئلا تكون حسرة عليه يوم القيامة..

فإن كان ولابد من مخالطتهم ـ كأن يكون زملاء عمل مثلًا ـ فالحذر الحذر أن يوافقهم؛ وليصبر على أذاهم؛ فإنهم لابد أن يؤذوه إن لم يكن له قوة ولا ناصر، ولكنه أذى يعقبه عز ومحبة له وتعظيم، وثناء عليه منهم ومن المؤمنين ومن رب العالمين، وموافقتهم يعقبها ذلٌّ وبغضٌ له، وذم منهم ومن المؤمنين ومن رب العالمين.

وإذا فطن الإنسان على تأثيرهم السيئ؛ باعهم بكل غال ورخيص، من أجل أن يُبقي عليه دينه الذي هو عصمة أمره.. وفعل البقاء معهم كفعل السحر.. لا يستطيع الإنسان معه الإنكار، والترك.. بل المجاملة والمداهنة لئلا يتفوّه عليه متفوّه.. ولا يوسم بالخوف، أو التنطع أو (التطوّع)!

نسأل الله الرفقة الصالحة المصلحة التي تعيننا إن ذكرنا.. وتذكرنا إن نسينا.. تكون لنا عونًا على طاعة ربنا ومولانا..



بحث عن بحث