وللدعاء أهمية كبرى، وفضائل عظيمة، وأسرار بديعة منها:

1-  أن الدعاء طاعة لله وامتثال لأمره؛ للآية السابقة، وكذلك قول الله تعالى: âوَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ á [الأعراف:29]. فالداعي مطيع لله، مستجيب لأمره.

2-   السلامة من الكبر؛ للآية السابقة âإِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَá[غافر:60].

3-  الدعاء عبادة: للآية السابقة، والحديث السابق «الدعاء هو العبادة».

4-  الدعاء محبوب لله عز وجل: فعن ابن مسعود مرفوعا: «سلوا الله من فضله؛ فإن الله يحب أن يسأل».

5-  الدعاء سبب لانشراح الصدر: ففيه تفريج الهم، وزوال الغم، وتيسير الأمور، ولقد  ثمرة الدعاء مضمونة بإذن الله، فإذا أتى الداعي بشرائط الإجابة فإنه سيحصل على الخير،وسينال نصيبا وافرا من ثمرات الدعاء ولا بد، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ما لم يستعجل». قيل: يا رسول الله ما الاستعجال قال: «يقول قد دعوت وقد دعوت فلم أر يستجيب لي فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء».

وعن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما من مسلم يدعو، ليس بإثم ولا بقطيعة رحم إلا أعطاه الله إحدى ثلاث: إما أن يعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يدفع عنه من السوء مثلها» قال: إذا نكثر، قال: «الله أكثر».

ففي ما مضى من الأحاديث دليل على أن دعاء المسلم لا يهمل، بل يعطى ما سأله، إما معجلا، وإما مؤجلا، تفضلا من الله جل وعلا.

6 ـ الدعاء سبب لدفع البلاء قبل نزوله: قال عليه الصلاة والسلام: «ولا يرد القدر إلا الدعاء».

7 ـ الدعاء من صفات عباد الله المتقين: قال جل شأنه عن أنبيائه عليهم السلام: âإِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَá [الأنبياء:90]، وقال عن عباده الصالحين: âوَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ á [الحشر:10]، إلى غير ذلك من الآيات في هذا المعنى.

8 ـ الدعاء سبب للثبات والنصر على الأعداء: قال تعالى عن طالوت وجنوده لما برزوا لجالوت وجنوده:âوَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَá [البقرة:250]، فماذا كانت النتيجة؟ قال الله تعالى:âفَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ á[البقرة:251].

قال ابن القيم رحمه الله: (والدعاء من أنفع الأدوية، وهو عدو البلاء، يدافعه ويعالجه، ويمنع نزوله، ويرفعه أو يخففه إذا نزل، وهو سلاح المؤمن .. ومن أنفع الأدوية : الإلحاح في الدعاء) وأي عدوّ أشد على النفس من الشيطان والنفس الأمارة بالسوء!..

قال ابن الجوزي رحمه الله: (ينبغي للعاقل أن يلازم باب مولاه على كل حال، وأن يتعلق بذيل فضله إن عصى وإن أطاع، وليكن له أُنس في خلوته به، فإن وقعت وحشة فليجتهد في رفع الوحش . كما قال الشاعر :

أمستوحش أنت مما جنيت  فأحسن إذا شئت واستأنس.

...فإن خاف ضرر ما يرومه من الدنيا سأل الله إصلاح قلبه، وطب مرضه، فإنه إذا صلح لم يطلب ما يؤذيه).

ولا غنى لك عن ربك، ورفع يديك بصدق ولجأ واعتراف بالتقصير، لعلها توافق ساعة إجابة، فينقذك الله من المهالك، ويرفع قدرك بالطاعات ..

وربما كان الاعتراف بالتقصير أنجح في الحوائج، ولكي ينفعك الدعاء لابد له من خصائص ومزايا، وثياب تجّمله، وترفعه إلى أبواب السماء..

قال ابن القيم رحمه الله: (وإذا اجتمع مع الدعاء حضور القلب، وجمعيته بكليته على المطلوب، وصادف وقتا من أوقات الإجابة الستة وهي: الثلث الأخير من الليل، وعند الأذان، وبين الأذان والإقامة، وإدبار الصلوات المكتوبات، وعند صعود الإمام يوم الجمعة على المنبر حتى تقضى الصلاة، وآخر ساعة بعد العصر من ذلك اليوم، وصادف خشوعا في القلب، وانكسار بين يدي الرب، وذلا له، وتضرعا ورقة، واستقبل الداعي القبلة، وكان على طهارة، ورفع يديه إلى الله، وبدأ بحمد الله والثناء عليه، ثم ثنى بالصلاة على محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم ثم قدم بين يديه حاجته إلى التوبة والاستغفار ثم دخل على الله، وألحّ عليه في المسألة، وتملقه ودعاه رغبة ورهبة، وتوسل إليه بأسمائه وصفاته وتوحيده، وقدم بين يدي دعائه صدقة، فإن هذا الدعاء لا يكاد يرد أبدا. ولا سيما إن صادف الأدعية التي أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم أنها مظنة الإجابة، أو أنها متضمنة للاسم الأعظم).

فالجأ إلى مولاك، وناجه، واطلبه أن يعينك على طاعته ومرضاته، وأن يبعد عنك كل ما يصرفك عنه، فإن اجتهدت في سؤال ربك، فأعلم أن الإجابة آتية، وقد روي عن عمر بن الخطاب أنه قال: ( أنا لا أحمل هم الإجابة ولكني أحمل هم الدعاء ).

9 ـ المحبة :

عن أنس بن مالك رضي الله عنه  عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يجد أحد حلاوة الإيمان حتى يحب المرء لا يحبه إلا لله وحتى أن يقذف في النار أحب إليه من أن يرجع إلى الكفر بعد إذ أنقذه الله وحتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما».

قال ابن القيم: الحب طاقة طويلة الأجل للعمل من أجل المحبوب، في رضاه، وأنسه، وقربه ...والمحب لمن يحبُّ مطيع ....وكل حركة في العالم العلوي والسفلي فأصلها المحبة.

قال رحمه الله: (فكل حي له إرادة ومحبة وعمل يحسنه، وكل متحرك فأصل حركته المحبة والإرادة، ولا صلاح للموجودات إلا بأن تكون حركاتها ومحبتها لفاطرها وبارئها وحده).

وإذا أحب المؤمن ربه، هان عليه ما يلقاه في سبيل رضاه وطاعته .

وقال أيضا رحمه الله عن المحبة: (المعرفة بساط لا يطأ عليه إلا مقرّب، والمحبة نشيد لا يطرب عليه إلا محب مغرم) .

- الحب غدير في صحراء ليست عليه جادة، فلهذا قلّ وارده.

- المحب يهرب إلى العزلة بمحبوبه والأنس بذكره كهرب الحوت إلى الماء والطفل إلى أمه.

- ليس للعابد مستراح إلا تحت شجرة طوبى، ولا للمحب قرار إلا يوم المزيد . اشتغل به في الحياة يكفيك ما بعد الممات.

محبة الله عز وجل حصن حصين، يقي الإنسان من مفارقة المنكرات والمعاصي، لئلا يغضب حبيبه .. ، ولكن هذه المحبة لا تدخل في قلب فيه حب الدنيا إلا كما يدخل الجمل في سمّ الإبرة... .

(وما من مؤمن إلا وفي قلبه محبة لله تعالى وطمأنينة بذكره، وتنعم بمعرفته، ولذة وسرور بذكره، وشوق إلى لقائه، وأنس بقربه، وإن لم يحس به لاشتغال قلبه بغيره، وانصرافه إلى ما هو مشغول به، فوجود الشيء غير الإحساس والشعور به وقوة ذلك وضعفه وزيادته ونقصانه هو بحسب قوة الإيمان وضعفه وزيادته ونقصانه).

فمحبة الله توفقك للعمل الصالح، والتقرب من الله تعالى والأُنس به ..، وهذه المحبة النافعة التي تجلب لصاحبها ما ينفعه في دنياه وآخرته، وهذه المحبة هي عنوان السعادة، وضدها هي التي تجلب لصاحبها ما يضره في دنياه وآخرته، وهي عنوان الشقاوة.

قال الله تعالى: âمَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ á [المائدة : 54].

اللهم إنا نسألك حبك، وحب من يحبك، وحب العمل الذي يقربنا إلى حبك.

10 ـ الصبر: طريق الجنة حُفت بالمكارة، وطريق النار حُفت بالشهوات.. وعلى مرتاد هذه الرحلة أن يتزود ـ لطريقه ـ بالصبر، لينال مطلوبه وهدفه قال الله تعالى: âوَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ á [البقرة:45]. ومن لا صبر له، لا وصول له،  بل ربما تعثّر، ولم يكمل الطريق .

قال تعالى في كتابه: âأُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ á [البقرة : 175].

وصدق صلى الله عليه وسلم في قوله: «والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني».

قال ابن القيم رحمه الله: (وأما حقيقته ـ أي الصبر ـ : فهو خلق فاضل من أخلاق النفس يمتنع به من فعل ما لا يحسن ولا يجمل، وهو قوة من قوى النفس التي يها صلاح شأنها وقوام أمرها ... وقال أبو عثمان: (الصابر هو الذي عوّد نفسه الهجوم على المكاره) .. وقال غيره: (الصبر هو الاستعانة بالله) ...

وقال علي بن أبي طالب  رضي الله عنه: ( الصبر مطية لا تكبو) ...

وقيل: (الصبر شجاعة النفس)، ومن هاهنا أخذ القائل قوله: (الشجاعة صبر ساعة) .... وحفظ من خطب الحجاج: «اقدعوا هذه النفوس فإنها طلعة إلى كل سوء، فرحم الله امرءًا جعل لنفسه خطامًا وزمامًا فقادها بخطامها إلى طاعة الله، وصرفها بزمامها عن معاصي الله، فإن الصبر عن محارم الله أيسر من الصبر على عذابه).

ومن يتصبر يصبّره الله، ولربما همّ الإنسان بمعصيته، فتذكر البصير العليم بعباده وهو مطلع عليه، فامتنع عن معصيته .. ولازال يجاهد نفسه، ويجاهدها حتى كفّت عن الفعل، وذهبت نفسه الأمارة بالسوء ولم تحظ بما تريد .

وكل أمر في ابتداءه صعب وعسير .. ولكنه بعون الله يسهُل أمره مع كثرة المجاهدة والمصابرة.. قال الله تعالى: âوَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ á [العنكبوت: 69].

تم بحمد الله وتوفيقه، أسأل الله الكريم أن ينفع به من جمعه وقرأه وأن يكتب له القبول في الدنيا والآخرة، وأن يجعله خالصًا لوجهه الكريم .

والحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات.



بحث عن بحث