الوقفة السادسة

ما ينبغي فعله قبل الحج

الحج –كما رضي الله عنه بق- هو عبادة عظيمة، وركن من أركان الإسلام يرجو الحاج قبول حجه، ولذلك على الحاج أن يتهيأ ببعض الأعمال التي تكون عونًا له على قبول الحج.

وهناك أمور ينبغي للحاج أن يتنبه لها، وأن يضعها في حسبانه عند إرادة الحج، حتى يتحقق له الحج المبرور والسعي المشكور بإذن الله تعالى ومنها:

1- تجديد الإخلاص لله تعالى في الحج –كما رضي الله عنه بق- وهذا الأمر أعني الإخلاص أمر لابد منه في كل عبادة من العبادات.

فيجب على أراد الحج أن يقصد بحجه وجه الله تعالى فيحج مبتغيًا الأجر من الله راجيًا ثوابه فهو تعالى يلجأ إليه الطائعون فيرفع درجاتهم وينيب إليه المقصرون المذنبون فيكفر رضي الله عنه يئاتهم، والإخلاص عليه مدار الأعمال والأقوال، يقول تعالى: âوَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ á [البينة: 5]، ويقول جل شأنه: âقُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ á [الأنعام : 162]، âوَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ á [الذاريات : 56].

فعلى الحاج أن يجرد نيته من شوائب الشرك أو التعلق بغير الله تعالى أو قصد الدنيا في حجه حتى يكمل ثوابه.

وعليه أن يستحضر نية التقرب إلى الله تعالى في جميع أحواله لتكون أقواله وأفعاله ونفقاته مقربة له إلى الله فإنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى.

2- أن يحرص على التفقه في أمور الحج حتى يعبد الله على بصيرة، وبحذر كل الحذر أن يؤدي مناسك الحج على جهل منه بذلك فقد يوقعه هذا في الإخلال بالأركان أو ارتكاب بعض المحظورات أو النقص في القيام بمناسك الحج.

والمؤمن يحرص دائمًا على تمام عمله وكماله، والله تعالى قد قدم العلم على العمل في قوله رضي الله عنه بحانه: âفَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ á [محمد : 19] وكل عبادة لا تقبل إلا بتحقق شرطين أساسين الإخلاص لله تعالى والمتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم.

ولا تتأتى المتابعة إلا بالعلم لذا عظم العلم وارتفعت منزلة أهله عند الله وعند الناس، قال تعالى: â إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُá [فاطر : 28]، وإذا كان الحاج لا يقدر على التفقه في أمور حجه فليصحب أهل الفقه والعلم حتى يفيد من علمهم، قال تعالى: âفَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ á [النحل: 43]، ومما يفيد في ذلك استصحاب بعض الكتيبات النافعة، وأشرطة التسجيل المفيدة وغيرهما  من أدوات التعلم التي تعينه في تعلم مناسكه.

3- أن ينتخب لحجه وعمرته نفقة طيبة من مال حلال لما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا»، وروى الطبراني عن أبي هريرة رضي الله عنه  قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إذا خرج الرجل حاجا بنفقةطيبة ، ووضع رجله في الغرز، فنادى : لبيك اللهم لبيك، ناداه مناد منالسماء: لبيك وسعديك وزادك حلال،وراحلتك حلال، وحجك مبرور غير مأزور وإذا خرج الرجل بالنفقة الخبيثة فوضع رجله في الغرز فنادى: لبيك اللهم لبيك ناداه مناد من السماء لا لبيك ولا رضي الله عنه عديك زادك حرام ونفقتك حرام وحجك غير مبرور».

كما ينبغي للحاج أن يكثر من النفقة ومتاع السفر ويستصحب فوق حاجته احتياطًا لما يعرض من الحاجات.

ومن ذلك كتابة وصيته وتشمل وصية أهله وأصحابه بتقوى الله تعالى وهي فعل أوامره واجتناب نواهيه وهي وصية الله تعالى للأولين والآخرين          âوَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ á [النساء: 131]، وأن يكتب ماله وما عليه من الدين ويشهد على ذلك فإنه لا يدري ما يعرض له.

5- أن يبادر إلى التوبة النصوح من جميع الذنوب والمعاصي من ترك الواجبات أو ارتكاب للمحظورات فالتوبة طريق المفلحين وسبيل الفائزين، âزِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَá [النور : 31].

وحقيقة التوبة الإقلاع عن الذنوب وتركها والندم على ما مضى منها والعزيمة على عدم العودة إليها وإن كان عنده للناس مظالم من نفس أو مال أو عرض ردها إليهم أو تحللهم منها قبل رضي الله عنه فره لما صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرضه أو من شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكوندينار ولا درهم إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته وإن لم يكن له حسنات أخذ من رضي الله عنه يئات صاحبه فحمل عليه».

ومن فضل الله تعالى أن فتح باب توبته لمن اقترفوا الآثام فالذنب مهما عظم فعفو الله أعظم وعليه أن لا ييأس من رحمة الله تعالى، قال تعالى: âإِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَá [يوسف : 87].

فالواجب على العبد أن يعترف بذنبه ويطلب من ربه مغفرته وأن يبادر بالتوبة منه فإنه لا يدري متى يحضره الأجل ومتى يفجأه الموت.

وكم من إنسان يعد نفسه بالتوبة فما زال يؤخرها حتى نزل به هادم اللذات ومفرق الجماعات فلقي الله تعالى بذنوب وهو مصر عليها وانتقل إلى الآخرة مثقلًا بالذنوب حاملًا للأوزار والعياذ بالله.

âإِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴿17وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًاá [النساء : 17 – 18].

6- أما مظالم الخلق من الحقوق المالية فيردها إليهم، والحقوق المعنوية فيتحللهم ويستسمحهم وإن لم يستطيع أو خشي ضررًا أكبر فليكثر من الدعاء لهم.

7- أن يجتهد في انتفاء المجموعة التي يحج معها، أو الحملة التي يشترك فيها، فإنها خير معين بعد الله جلا وعلا على إتمام مناسكه على الوجه الصحيح، ولذلك ندب الرسول صلى الله عليه وسلم إلى اختيار الجليس بقوله: «الجليس الصالح كحامل المسك، والجليس السوء كنافخ الكير...» ولا شك أن الحملة بكامل عناصرها هم جلساء الحاج فليحرص على الانتفاء.



بحث عن بحث