الوقفة السادسة عشرة

أعمال الحــج

يوم التروية وصباح يوم عرفة:

عرفنا فيما رضي الله عنه بق أن الأنساك التي يخير بينها الحاج ثلاثة: التمتع، والإفراد، والقران، والتمتع –كما عرفناه رضي الله عنه ابقًا- أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج، ثم يحرم بالحج في عامه فراغه من العمرة.

والقران: أن يحرم بالحج والعمرة معًا، أو يحرم بالعمرة ثم يدخل عليها  الحج قبل الشروع في طوافها.

والإفراد: أن يحرم بالحج وحده.

وأفضل الأنساك الثلاثة –كما رضي الله عنه بق- هو التمتع لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما رضي الله عنه قت الهدي ولجعلتها عمرة»، وقد عرضنا بشيء من التفصيل لكيفية الإحرام لمن أراد أحد النسك الثلاثة، وماذا ينبغي أن يفعله الحاج والمعتمر عند الإحرام، وفي هذه الوقفة نفصل ما يتعلق باليوم الثامن وهو يوم التروية.

والمتمتع بعد أن يطوف ويسعى ويحلق أو يقصر يحل من إحرامه ويبقى حلالًا يحل له كل شيء حرم عليه إثناء الإحرام، ويستمر حلالًا حتى اليوم الثامن من شهر ذي الحجة.

أما المفرد والقارن فهما بعد الطواف والسعي باقيان على إحرامهما حتى صباح اليوم الثامن، ثم يخرجون إلى منى بالكيفية التي رضي الله عنه نعرضها الآن.

فإذا جاء ضحى اليوم الثامن من ذي الحجة وهو المسمى بيوم التروية وسمي بذلك لأن الناس كان يروون الماء استعدادًا ليوم عرفة، يستحب للمحليين بمكة أي من كان متمتعًا أو من أراد الحج من أهلها أن يحرم بالحج من مكانه الذي يسكنه، وعند الإحرام يفعل الحاج كما فعل عند الميقات بأن يتجرد من ثيابه المعتادة ويحلق عانته ويقص شاربه، وينتف أبطيه ويتوضأ أو يغتسل ويلبس رداءين أبيضين نظيفين ويتطيب ثم يحرم بالحج قائلًا: لبيك حجًا ويكون الإحرام من المسكن الذي هو فيه لأن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أقاموا بالأبطح وأحرموا بالحج منه يوم التروية هكذا أمرهم صلى الله عليه وسلم ولم يأمرهم صلوات الله وسلامه عليه أن يذهبوا إلى البيت فيحرموا عنده أو عند الميزاب وكذا لم يأمرهم بطواف الوداع عند خروجهم إلى منى ولو كان ذلك مشروعًا لعلمهم إياه، والخير كله في إتباع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام رضي الله عنهم.

ويسن للمحرم بالحج أن يتوجه إلى منى قبل الزوال، ويكثر من التلبية وعليه أن يرمي جمرة العقبة يوم النحر عند انصرافه من مزدلفة بعد طلوع الفجر، وفي هذه الأزمنة أصبح أكثر الحجاج مرتبطًا بحملة مستقرة في منى، وهؤلاء يحرمون من مكانهم في منى، وفي منى يصلي الحاج الظهر والعصر والمغرب والعشاء، وفجر يوم عرفة كل صلاة في وقتها يقصر الرباعية وهي الظهر والعصر والعشاء، أما المغرب والفجر فلا يُقصران، ولا فرق بين أهل مكة وغيرهم لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالناس من أهل مكة وغيرهم بمنى ومزدلفة قصرًا ولم يأمر أهل مكة بالإتمام ولو كان واجبًا لبينه صلى الله عليه وسلم وما يفعله بعض الناس من جمع الظهر والعصر والمغرب والعشاء خلاف الأولى وخلاف ما فعله المصطفى صلى الله عليه وسلم.

يقول جابر بن عبد الله رضي الله عنهما واصفًا حجة النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام مسلم وغيره «فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى فأهلوا بالحج وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر» أي: فجر يوم عرفة.

فليحاول الحاج الإقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم والتأسي بصحابته الكرام رضوان الله عليهم في أداء الشعيرة المباركة، وليستغل هذا اليوم بالعبادة والذكر والدعاء والتلبية وقراءة القرآن والصدقة على الفقراء والمحتاجين والمعوزين وتعليم الجاهل وإرشاد الضال ونصح العامة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغير ذلك من الأعمال الصالحة وليغتنم الحاج هذا الوقت المبارك في هذا الزمن المبارك وهو يؤدي هذه الشعيرة المباركة والذي تتضاعف فيه الحسنات وتمحى فيه السيئات ويتجاوز عن الزلات، ليجعل هذا اليوم يومًا تاريخيًا في حياته فيغير ما يحتاج إلى تغيير، يحاسب نفسه على التقصير، يعاهد مولاه على التوبة والندم، إنها فرصة قد لا تتكرر مرة أخرى لكن من المؤسف أن نرى حال كثير من الحجاج في ذلك اليوم يضيعون الوقت رضي الله عنه دى بين ذهاب وإياب وبين قيل وقال و غيبة وشتم وقول زور ونحو ذلك بل كثير منهم لا يراعي للوقت حرمته ولا للمكان حرمته ولا للشعيرة فضلها وعظم أمرها فتراه يتساهل بالفرائض أحيانًا ولا يبالي بالنوافل فليفكر المسلم الحاج في حاله وليغير ما أعوج من رضي الله عنه لوكه وليربط حياته بخالقه.

وبعد أن يبيت الحاج ليلة التاسع بمنى –والمبيت  في هذه الليلة رضي الله عنه نة مؤكدة- ويصلي الفجر وتطلع الشمس من ذلك اليوم يوم عرفة يتوجه الحاج من منى إلى عرفة ويسن أن ينزل بنمرة إلى الزوال إذا تيسر ذلك لفعله صلى الله عليه وسلم وإن لم يتيسر ينزل في أي مكان من عرفة ويستقر فيه وعليه أن يتأكد من الموقع الذي نزل فيه هل هو داخل عرفة أو خارجها فهناك علامات واضحة وأعلام بيّنة لها وإن لم يعرفها فليسأل عنها وليعلم الحاج أن وادي عرنة الذي على حدود عرفة ليس من عرفة، ثم يستقر بها طوال ذلك اليوم فيصلي بها الظهر والعصر جمعًا وقصرًا بأذان واحد وإقامتين، ثم يستمر واقفًا بعرفة إلى غروب الشمس.

ولعرفة ويومها أحكام وآداب وللناس فيها أخطاء وتقصير نفصلها في الوقفة التالية.



بحث عن بحث