التعليم مسؤولية الجميع

  الحمد لله علَّم بالقلم، علَّم الإنسان ما لم يعلم، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، بارىء النسم، وموجدها من العدم، وعلَّمها ما لم تعلم ، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد، صلى الله عليه وسلم، أرسله ليكون هادي الأمم، فانقشعت بنوره الظُّلم، فهو خير من تعلَّم، وعلَّم أما بعد:

    فاتقوا الله عباد الله يعلمكم الله، ويزدكم من فضله وإحسانه، ويسبغ عليكم من نعمه وآلائه وعلى آله وأصحابه أهل العلم والفضل والشيم، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.  

أيها المسلمون! اعلموا إن العلم نور القلوب وحياتها، وفيه المخرج من ظلمات الطبع والجهل والهوى، قال تعالى : ( وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نوراً نهدي به من نشاء من عبادنا) [الشورى: 53] ، وهو قوام الإسلام، فلا سبيل لنهوض أمة، وسبقها بين الأمم إلا بالعلم، فلذلك قامت الدول بإنشاء المدارس والمعاهد والجامعات، وأنفقت على طلاب العلم، ورسمت المناهج العلمية والتربوية، واعتنت بالتخصصات ؛ ليقوم كل فرد من هذه الأمة بمهمته الموكّل بها على أحسن وجه. كل في مضماره وفي تخصصه. بدءاً من أول حلقة تعليمية، ونهاية بأعلى درجات العلم من أجل النهوض بأفراد الأمة إلى الفضل في التحصيل والتعليم.

أيها المربون والمعلمون والموجهون! أيها الأولياء ، أيها المتعلمون والدارسون!

   علينا جميعاً أن نشمر عن ساعد الجد من أول درجات العلم، ولنؤدي أعمالنا بعزم وجد واجتهاد وإخلاص. وليقم كل منا بالمسؤولية التي على عاتقه للقيام بعملية التربية والتعليم على الوجه الأكمل والأفضل.

   فمن ولاهم الله تعالى مسؤولية الإدارة والتوجيه، عليهم القيام بهذه المسؤولية، ومحاولة النهوض بمؤسساتها التعليمية على الأفضل والأكمل، ومتابعة الإشراف والتوجيه التربوي والتعليمي، وليعلموا أن عليهم مسؤولية عظيمة سيسألون عنها يوم القيامة:(كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)  ومن ولاهم الله تعالى مسؤولية التعليم والتدريس عليهم أمانة عظيمة، أمانة تربية الأجيال وتعليمهم وتوجيههم وتثقيفهم ، فالأستاذ يقوم بمهمة جليلة هي مهمة محمد صلى الله عليه وسلم، فهو معلم وداع إلى الله، ومرشد إلى الخير، ولذا عليه أمور عظيمة يجب أن يتبينها، ولكن تطبيقها سهل وميسور على من وفقه الله تعالى، وأهم هذه الأمور:

أولاً : الإخلاص، وهو من أول المطالب في كل عمل ومطلوب في هذا العمل الجليل؛ لأن المعلم في مقام الداعي إلى الله، وفي مقام المربي، والآمر بالمعروف والناهي عن المنكر، وفي مقام الأب والأخ، يجب عليه أن يخلص في عمله، يبتغي به وجه الله والدار الآخرة، وكل ما يأخذه من عرض الدنيا، فإنما هو تابع ووسيلة لإعانته على أداء مهمته، وليست غاية يسعى لها.

   والإخلاص عمل قلبي لا يطلع عليه أحد إلا الله، ولكنه يتجلى في أمور عديدة، وثمرته تبدو واضحة جلية في مجال التعليم، ومن هنا نرى الفرق واضحاً بين معلِّمَين تساويا في أمور كثيرة، ولكنهما اختلفا في الإخلاص.

ثانياً : أن يكون المعلم ملماً بمادته فاهماً لها فهماً كاملاً محيطاً بها من جميع جوانبها؛ لأنه لا يستطيع أن يوصلها إلى طلابه وتلاميذه إذا لم يكن متقناً لها، وإن من أعظم مقومات شخصية المعلم قوته في علمه، وفهمه لمادته، وقوته،

وملاحظته ومتابعته لما يجد في مادته. إنه ليس عيباً على المعلم أن يسأل من يرى فيه من القدرة والخبرة السابقة إذا لم يكن مستوعباً لمادته أو اعترضته بعض الموضوعات التي لم يستوعبها بل ذلك هو الواجب عليه، كما أنه ليس عيباً أن يؤجل الإجابة على أسئلة تلاميذه إذا لم يكن مستوعباً لها، بل العيب أن يجيب خطأً، وبالتالي لن يثقوا به، ولا بمعلوماته.

ثالثاً : أن يكون المعلم قدوة صالحة لطلابه، فللمعلم مكانة في نفوس تلاميذه يقتدون به، ويأخذون عنه السلوك والأخلاق، كما يأخذون عنه المادة العلمية، فإن كان قدوة صالحة متصفاً بالسلوك الحسن والأخلاق الحميدة، أخذوا عنه الصلاح وحسن السلوك، وإن كان غير ذلك ترتَّب عليه أمران: الأول: أنهم لا يأخذون عنه ما يعلمهم إياه، وإن أخذوا عنه أخذوه مجرداً عن الروح والمعنى سرعان ما يتلاشى أثره من نفوسهم، ويذهب مع ورقة الامتحان. الثاني: أن يكون قدوة سيئة، وعنصراً فاسداً يتصف طلابه بصفاته، ويأخذون عنه السلوك السيء والأخلاق المشينة مما يكون له أكبر الأثر السيء على المجتمع بأكمله.

رابعاً : أن يكون المعلم متحلياً بالأخلاق الكريمة التي تُعينه على أداء مهمته كالصبر والتحمل، فالتعليم مهمة شاقة تحتاج إلى ذلك، فيتحمل ما يصدر من تلاميذه من هفوات أو نقص، لأن المعلم يؤمل فيه طلابه الكمال وجودة التحصيل وحسن السلوك، ومن عادة الطالب أن يصدر منه ما يغضب معلمه في بعض الأوقات، ومما يعينه على ذلك المعاملة الحسنة مع طلابه والعلاقة الطيبة بهم، يحترمهم كما يجب عليهم احترامه، ويقدر آراءهم واختلاف مستوياتهم في الإدراك وغيره، يعاملهم بالتعامل المتزن لا بالعنف الذي يذهب روح التعلم وثمرته، ولا بالفوضى التي تقضي على التحصيل والانضباط والأدب.

خامساً: أن يكون المعلم مؤمناً برسالته، مقتنعاً بعمله، قد التحق في سلك التعليم والتدريس عن رغبة واختيار، فذلك من أهم الأمور التي تساعد على نجاح المعلم في مهمته العظيمة.

سادساً: على المعلم مراقبة الله تعالى في السر والعلن والمحافظة على خوفه في جميع حركاته وسكناته وأقواله وأفعاله، فإنه أمين على ما أودع من العلوم، وما منح من الحواس والفهوم قال تعالى : ( لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون) [ الأنفال: 27] . وقال الشافعي: "ليس العلم ما حُفظ، العلمُ ما نفع" وعليه بدوام السكينة والوقار والخشوع والتواضع لله والخضوع.

   كتب مالك إلى الرشيد رحمهما الله: إذا علمت علماً فليُرَ عليك علمه وسكينته وسمته ووقاره وحلمه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (العلماء ورثة الأنبياء)  ، وقال عمر رضي الله عنه : (تعلموا العلم، وتعلموا له السكينة والوقار).

أيها المسلمون! اتقوا الله، سبحانه وتعالى، وقوموا بمسؤولياتكم خير قيام؛ ليؤدي العلم ثمرته المرجوة، وخاصة ونحن في بداية العام الدراسي، تكونوا من المفلحين الفائزين، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ( قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون) [الزمر: 9] .

   نفعني الله وإياكم بهدي كتابه، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.



بحث عن بحث