الإيمانُ بالملائكَة والكتُب والرُّسُلوأثرُ ذلك في الحياة

الخطبة الأولى

   الحمد لله رب العالمين، ولي المؤمنين، امتن علينا بسلوك سبيل الناجين، أحمده، سبحانه، وأشكره على نعمه حمد الشاكرين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة نرجوا بها النجاة من النار يوم الدين، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده، ورسوله، أفضل الأنبياء، والمرسلين، وقائد الغر المحجلين، صلى الله وسلم عليه، وعلى آله، وأصحابه الغر الميامين، والتابعين، ومن تبعهم، وسار على نهجهم إلى أن يبعث الله الخلق أجمعين. أما بعد :

عباد الله: اتقوا الله، وآمنوا به يؤتكم كفلين من رحمته، ويجعل لكم نوراً تمشون به، ويغفر لكم بعفوه، ومنته.

أيها المسلمون: عقيدة المسلم تقوم على الإيمان بأركان الإيمان الستة، قال تعالى: ( آمن الرَّسوُلُ بما أُنزِل إليه من ربِّهِ والمؤمنون كلٌ آمن بالَّله وملائكته وكتُبه ورسله لا نفرِّق بين أحدٍ من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غُفرانك ربَّنا وإليك المصير) (البقرة: 285)، وجاء في حديث جبريل المشهور، عندما سأل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عن الإيمان، قال: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر وبالقدر خيره وشره).

أيها المسلمون:

  والركن الثاني من أركان الإيمان: الإيمان بالملائكة الكرام، وهذا الإيمان يعني: التصديق بوجودهم، وبأعمالهم التي كلفهم الله بها في هذا الكون، خلقهم الله تعالى، لينفذوا أوامره، ويعبدوه حق عبادته، ويقوموا بالمهام التي أسندها إليهم. ( لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون). (التحريم: 6)

 والملائكة من عالم الغيب لا يراهم البشر، ولا يعرفون عددهم، ولا كيفيتهم، وخَلْقهم، ولكن يجب أن يؤمنوا بوجودهم إيماناً جازماً وأنهم خلقوا من نور.

   أما صفاتهم التي أخبر الله عنها: فهم من أعظم جنود الله قال تعالى: ( ولِلَّه جنود السموات والأرض) (الفتح: 7) وبيّن، سبحانه، شيئاً من مهامهم، وهيئاتهم بقوله سبحانه: (الحمد لله فاطر السماوات والأرض جاعل الملائكة رُسُلاً أُولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع) (فاطر: 1) فمنهم من له جناحان، ومنهم من له ثلاثة، أو أربعة، أو أكثر، وقد رأى النبي، صلى الله عليه وسلم، جبريل، عليه السلام، وله ستمائة جناح.

   وأعطاهم الله سبحانه قوة عظيمة بحيث لو صاح المكلف منهم في الخلق لأهلكهم، كما حدث مع قوم ثمود، قال تعالى: ( إنَّا أرسلنا عليهم صيحةً واحدة فكانوا كهشيم المحتظر) (القمر: 31) وذلك عندما صاح بهم جبريل، عليه السلام، فقطعت هذه الصيحة قلوبهم في أجوافهم، ومثل ذلك عندما رفع جبريل بجناحه قوم لوط، وهم في سبع قرى، حتى سمع الملائكة نباح كلابهم، وصياح ديوكهم، ثم قلبها عليهم، ومثله نفخ إسرافيل، عليه السلام، في الصور، كما قال تعالى: ( ونُفخ في الصُّور فصعق من في السَّموات ومن في الأرض إلاَّ من شاء الله ثم نُفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون) ( الزمر: 68)

   وأعمال الملائكة مختلفة، فمنهم من هو موكل بحمل العرش، وعددهم أربعة، ويزيدون يوم القيامة، فيصيرون ثمانية، ومنهم من يقوم على جهنم، وهم خزنة جهنم، أي: الموكلون بالنار، وتعذيب أهلها، ومنهم من هو موكل بالوحي، وبالأجنّة في بطون الأمهات، يأمرهم الله لتمام أربعة أشهر بكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي، أو سعيد، وبالقطر من السماء، والنبات في الأرض، وبقبض الأرواح، وبحفظ أعمال بني آدم، وكل إنسان معه ملكان موكلان به، ومنهم من هو موكــل بضرب وجوه، وأدبار الكافرين عند الموت، قال تعالـى : ( ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم) (الأنفال: 5) وملائكة لسؤال الميت في قبره عن ربه ودينه ونبيه، وملائكة يبشرون المؤمنين بالجنة (وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون) (فصلت: 30) وملائكة على أبواب المساجد يوم الجمعة يكتبون الأول فالأول، فإذا خرج الإمام طووا الصحف، وجاؤوا يستمعون الذكر ، وما بين موضع شبر إلا ملك في السماء قائم أو ساجد، فسبحانه من خالق عظيم! وبأعمال كثيرة لا يعلمها إلا الله.

   وأسماؤهم منها المعروف المسمّى لنا، كجبريل، وميكائيل، وإسرافيل، ومالك خازن النار، ومنهم من لم يسمّ لنا، والجميع (يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلماً فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم) (غافر: 7)

أيها المسلمون!

  يجب على المؤمن أن يؤمن بالملائكة على سبيل الإجمال، فيما أجمل، وعلى سبيل التفصيل، فيما فصل، وهذا من أركان الإيمان، لا يتم إيمان العبد إلا به.

أيها المسلمون!

   والركن الثالث من أركان الإيمان: هو الإيمان بالكتب المنزلة من عند الله تعالى على رسله، عليهم الصلاة والسلام، ويعني ذلك الإيمان بأنها أنزلت من عند الله حقاً لا مرية فيه، فيؤمن العبد بذلك إيماناً إجمالياً، ويؤمن بما سجل فيه تفصيلاً، كالتوراة التي أنزلت على موسى، عليه السلام، والإنجيل الذي أنزل على عيسى، عليه السلام، والزبور الذي أوتيه داود، عليه السلام، وآخرها، وخاتمها القرآن الكريم الذي أنزل على نبينا محمد، عليه الصلاة والسلام، ويلزم من هذا: الإيمان بها، والتصديق بما أخبرت به مما لم يحرف منها، والعمل بما نسخها كلها، وهو القرآن الكريم.  قال تعالى: (وأنزلنا إليكَ الكتاب بالحقِّ مُصدِّقاً لما بين يديه من الكتاب ومُهيمناً عليه) (المائدة : 48) أي حاكماً.

   والإيمان بالكتب، ركن من أركان الإيمان لا يتم إيمان العبد إلا به، ومن يخالفه فقد عرض نفسه للكفر، قال تعالى : ( ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضلَّ ضلالاً بعيداً) [النساء : 136].

أيها المسلمون: والكتب السماوية كلها من عند الله تعالى، أنزلت هداية للبشر، قال تعالى: (ولقد بعثنا في كل أُمَّةٍ رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت) [النحل: 36] وقررت قواعد مشتركة، ومنها مسائل الإيمان، والدعوة إلى العقيدة الصافية، والسلوك الحسن، ومكارم الأخلاق، والحكم بالعدل بين الناس، ومحاربة الشر والفساد، والانحراف، وجاءت بكثير من العبادات، كالصوم، والحج، ولكنها تختلف اختلافاً كبيراً في كثير من الشرائع التفصيلية، ومن الإيمان بالكتب، الإيمان بأن القرآن الكريم هو خاتمها، وأشملها، وأطولها، وأحسنها، والحاكم عليها، فهو الكتاب الذي ختم الله به جميع الكتب، وقد تكفل سبحانه بحفظه، ولا يقبل من أحد سواه، وهو المتعبد بتلاوته، والأمر بالعمل بأوامره، وهو كلام الله المنزل على رسوله، صلـى الله عليه وسلم، وهو الذي " لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا يشبع منه العلماء، ولا يخلق عن كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه"  .

أيها المسلمون!

  ومن مقتضى الإيمان بهذا الكتاب المبين قراءتُه، وترتيله، وتأمله، وتدبره، وحفظه، أو حفظ شيء منه، وتصديق أخباره، والإيمان بمحكمه، والوقوف عند متشابهه، والعمل بأوامره، والانتهاء عن زواجره، وعبادة الله وفق ما شرع فيه.  

أيها المسلمون!

  المسلم الحق، هو الذي يراجع آثار الإيمان بملائكة الله وكتبه، وبالقرآن خاصة، فلذلك الإيمان آثار على الفرد، والمجتمع، والأمة.

  فمن آثار الإيمان بالملائكة: أن هذا الإيمان يقرّب إلى الله، تعالى، فإذا علم العبد أن عليه ملائكة يحصون أعماله، فذلك معين له على عمل الخير، واجتناب الشر، ولا يظن أنه لا يطلع عليه أحد: ( وإنَّ عليكم لحافظين، كراماً كاتبين، يعلمون ما تفعلون) (الانفطار: 10-12)، فهم يكتبون كل صغيرة، وكبيرة، ويحصونها على العباد.

   ومن آثار الإيمان بالكتب: أنه يقوي إيمان العبد، ويقربه من ربه، ويسير بمقتضاه على صراط مستقيم، لا اضطراب، ولا اعوجاج فيه، وبه يؤدي شكر نعمة الله عليه، ويسلم من الزيغ والانحراف، والتخبط الفكري، والعملي، وبه ينشرح الصدر، ويطمئن القلب، ويفرح بنعمة الله، ومنته، مهتدياً بهديه، ويظهر أثر ذلك الإيمان في الآخرة بالنجاة يوم القيامة، ودخول الجنة، وفوق ذلك كله رضا الله، سبحانه وتعالى.

أيها المسلمون!

   في تعامل كثير من الناس اليوم مع هذين الركنين العظيمين أخطاء فادحة، فالذين لا يؤمنون بالملائكة، ولا بأعمالهم، أو لا يؤمنون بالكتب المنزلة من عند الله، أو يفضلونها على القرآن الكريم، أو يقولون: هي سواء، ولا يعتبرون للقرآن منزلته التي جعلها الله له، أو لا يصدقون بهذا القرآن، أو يتهمون جبريل، عليه السلام، أو محمداً، صلى الله عليه وسلم، في نقصانه، وعدم بيانه، أو يرون تعاليم البشر، وقوانينهم مثل تعاليم القرآن، وتوجيهاته، أو يرون تعاليمه تعاليم بائدة، أو وقتية، أو صلحت لزمان الرسول، صلى الله عليه وسلم، ولا تصلح لزماننا هذا، زمن الطائرة، والحاسب، وغيرها، أو هو مجرد تراث مقدس للافتخار، والتباهي، وليس للعمل به، ونحو هذه الآراء، فمن اعتقد شيئاً من ذلك، فقد ضل ضلالاً بعيداً، وكفر كفراً بواحاً.

    أما أولئك الذين لا يقرؤونه، ولا يتلونه حق تلاوته، ولا يحفظون شيئاً منه، ويتساهلون في تطبيق بعض تعاليمه، ولا يعملون بتوجيهاته، فهؤلاء على خطر عظيم، ومزلق خطير، فليتنبه هؤلاء وأولئك ليعبدوا النظر في إيمانهم، وتجديده في نفوسهم، جعلني الله وإياكم من المؤمنين الصادقين، ونفعني وإياكم بما في القرآن العظيم من الآيات، والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المؤمنين فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.



بحث عن بحث