الخطبة الثانية

   الحمد لله الذي حبب الإيمان إلى قلوب عباده المؤمنين، وكرّه الكفر، والفسوق، والعصيان إلى عباده المتقين، أحمده سبحانه، وأشكره على كرمه، وفضله العميم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله الأولين، والآخرين، وأشهد أن سيدنا، ونبينا محمداً عبده، ورسوله أفضل من عبد الله حتى أتاه اليقين ، صلى الله،وسلم وبارك عليه، وعلى آله، وأصحابه البررة الأكرمين، والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

   عباد الله اتقوا الله تعالى، واعلموا أن هذا الداء الخطير، مصدره، ومورده هو الشيطان الرجيم، فقد ابتلى الله تعالى به عباده، وجعل له شيئاً من النفوذ، والتأثير على بني آدم، قال، تعالى، موضحاً هذه الحقيقة الكبيرة: (واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا) [الإسراء: 64] . وقال تعالى عنه: (ثم لآتينُّهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين) [الأعراف: 17] . وهذا التأثير، عباد الله، على صورة وساوس، وإيحاءات يستغل بها نقاط ضعف عند كل فرد، ففي هاجس الفقر، وحب المال، ومسالك الفحشاء، يقول، تعالى، عنه: (الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء) [البقرة : 268]، وفي حب الأولاد، والعواطف: (وشاركهم في الأموال والأولاد) [الإسراء : 68] وفي الخوف منه، والوقوع في حبائل الأوهام، يقول تعالى عنه: (إنَّما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم) [آل عمران: 175] ويقول سبحانه: (إنما النجوى من الشيطان ليحزُنَ الذين آمنوا وليس بضارهم شيئاً) [المجادلة: 10]، ويترقى إلى بث النزغات العدوانية: (وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إنَّ الشيطان ينزغ بينهم) [الإسراء: 53] وكما له تأثير روحاني بقدرة الله، تعالى، فله تأثير محسوس،وملموس،فقد أخبر، عليه الصلاة

والسلام : "أن كل بني آدم يطعن في جنبه بإصبعه حين يولد"  أي يطعنه الشيطان، واشتكى ابن أبي العاص إلى النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً يأتيه يصرفه عن صلاته، فقال، صلى الله عليه وسلم: "ذاك شيطان" ثم ضرب على صدر ابن أبي العاص، وقال: "اخرج عدو الله" ثلاثاً. رواه ابن ماجه بسند صحيح ، وجاء في الصحيح أنه "إذا تثاءب أحدكم فليمسك بيده على فمه، فإن الشيطان يدخل" (3). غير أن، عباد الله، الذين تحققوا بعبوديتهم لله في أمره، ونهيه، وهم متوكلون عليه في كل حال ليس له عليهم سبيل، ولا سلطان، قــال تعالى: ( إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وكفى بربك وكيلاً) [الإسراء : 65].

أيها المسلمون! ونحن نحذر من هذه المعضلات الفتاكة، والأمراض الخطيرة، لا ننسى أن من أهم أسبابها ضعف العلاقة بالله، سبحانه، وتعالى، وترك طاعته، واقتراف معصيته، والغفلة عن ذكر الله، تعالى، وهجران كتابه، والتعليق للصور، واتخاذ الكلاب، ونصب التماثيل، فاتقوا الله، عباد الله! وتمسكوا بشرعه، وعضوا عليه بالنواجذ؛ ليعصمكم من الزلل، ويقيكم من العثار، والخطل، ويغفر ذنوبكم، ويفرج كربكم.

أيها المسلمون! من أهم ما يتقي به من السحر قوة التوكل على الله تعالى والاعتماد عليه ، والالتزام بشرعه وأحكامه والعمل بها، وقراءة القرآن الكريم وتدبره، وكثرة ذكر الله تعالى في الأذكار المطلقة، والمقيدة بوقت أو مكان أو حال، وعدم اقتراف المعاصي، والتوبة منها حال وقوعها وتحصين البيت بالقرآن الكريم والأذكار وعدم تعليق الصور. إن على المسلم أن يلتزم بذلك، وقانا الله وإياكم شر كل ذي شر، ثم صلوا وسلموا على البشير النذير كما أمركم الله جل وعلا بقوله: (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً).



بحث عن بحث