الخطبة الثانية

   الحمد لله على كل حال، ونعوذ بالله من حال أهل الضلال، وأساله العفو، والعافية في الدين، والدنيا، والحال، والمآل، أحمده سبحانه، وأشكره، وأتوب إليه، وأستغفره، وهو الكبير المتعال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله شريف النسب، وكريم الخصال، صلى الله وسلم، وبارك عليه، وعلى آله، وصحبه خير صحب وآل، والتابعين، ومن تبعهم بإحسان على يوم المآل.

   أما بعد : عباد الله! اتقوا الله سبحانه، واعلموا أنه يجب على المسلم العاقل أن يتجنب الأسباب الموصلة إلى الوقوع في تلك الأوهام، والأدواء الخطيرة المهلكة الموقعة في الكفر، والشرك، ومن أهم الأسباب الموصلة للوقوع فيها: ضعف التوحيد في القلوب، وقلة الاعتماد على الله، سبحانه، وتعالى، وضعف استشعار عظمته في النفوس، وعدم استشعار قدرته في تدبير الكون، والإنسان، والحياة.

   ومن أهم الأسباب أيضاً التساهل في أداء الواجبات الشرعية، كالتساهل في أداء الصلاة، أو الصيام، أو فعل بعض المحرمات، كتناول المسكرات، والمخدرات، وما شابهها.

   وإن من أعظم الأسباب أيضاً الغفلة عن كتاب الله، تعالى، قراءةً، وتدبراً، وعملاً، وإهمال ذكره، سبحانه، فيعيش هذا العبد هائماً على وجهه مبتعداً عما يربطه بخالقه، قال تعالى : ( ومن يعشُ عن ذكر الرَّحمن نُقيِّض له شيطاناً فهو قرين) [الزخرف: 36] فمتى ما خلا جوف الإنسان، وبيته، ومقر عمله من ذكر الله، تعالى، كان مرتعاً للشياطين ، والعياذ بالله.

   ومن الأسباب ملء الأماكن فضلاً عن القلوب بالأشياء الملهية عن عبادة الله، تعالى، كقضاء الأوقات أمام الملهيات من الفضائيات، وغيرها.

أيها المسلمون!

   إن المسلم الحصيف، الذي يريد النجاة في الدنيا، والآخرة، ويسعى لسعادة الدارين ، هو الذي يصنع السياج القوي، والحصن المنيع من أن تتسلل إليه هذه الشركيات، والخرافات، وإن من أهم هذه الحصون: قوة التعلق بالله، سبحانه، وتعالى، والتوكل عليه، واستشعار عظمته، فمن توكل عليه كفاه، ومن اعتمد عليه آواه، ومن كان مع الله كان الله معه (ومن يتوكَّل على الله فهو حسبه) [الطلاق: 3].

   ومنها المحافظة على الفرائض أداؤها بأوقاتها، وأركانها، وشروطها، وعدم الإخلال بها، أو النقص فيها، أو التساهل بها، وأن يجتهد في عمل المستحبات، والبعد عن المحرمات، والمكروهات بأنواعها، فمن قام بهذه الأشياء، فقد حفظ الله، تعالى ، ومن حفظ الله، تعالى حفظه، في دينه، ودنياه، وأهله، وماله، ودنياه، وآخرته، قال عليه الصلاة والسلام : " احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك".

   ومن أهم ما يحفظ به الإنسان نفسه كثرة ذكر الله، تعالى، والمحافظة عليه، وبخاصة الأوراد الخاصة، كأذكار الصباح، والمساء، وعند النوم، والخروج من المنزل، وركوب السيارة، وغيرها.

   وإن من السياج المنيع قراءة كتاب الله، تعالى، والحرص على ذلك، فلا يجتمع مزمار الشيطان، وقرآن الرحمن في جوف إنسان.

أيها المسلمون!

   وإن من السياج المنيع أيضاً أن يكون الإنسان في هذه الحياة عاملاً نشيطاً أياً كان عمله، مبتعداً عن العزلة الشيطانية، فلا يترك عمله، أو يتساهل به بل يمضي مجدّاً قوياً مهما اعترته الهواجس، والوساوس، فدين الإسلام دين العمل، والإنتاج، لا دين الكسل، والخمول، والفتور، وإن الفرد العامل القوي هو الذي لا تقوى عليه الشياطين، ولا توسوس له.

أيها المسلمون!

   إن الأمم فضلاً عن الأفراد إذا كان همها، وشغلها الشاغل هو التعلق بهذه الأوهام، فقد خسرت، وجانبت الطريق الصواب، وأصبحت في ذيل القائمة بين الأمم، والإسلام دين القوة، والإنتاج، والبعد عن سفاسف الأمور، فلا نكن فريسة للشياطين، فنهلك في الدنيا، والآخرة، أسأل الله، تعالى، أن يحفظنا من كيد الكائدين، وحسد الحاسدين، وحقد الحاقدين، وأن يحفظنا بحفظه وأن يكلأنا برعايته، وصلوا وسلموا على رسول الله وخيرته من خلقه، لتسعدوا في دنياكم وأخراكم، كما أمركم الله جل وعلا بقوله: (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً).



بحث عن بحث