الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

   إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستهديه، ونؤمن به، ونتوكل عليه، ونستغفره ونتوب إليه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله الأولين، والآخرين، وأشهد أن نبيناً محمداً عبده، ورسوله، وصفيه، وخليله، وصفوته من خلقه، قائد الغر المحجلين، صلى الله، عليه وعلى آله، وأصحابه الطيبين الطاهرين، والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

   عباد الله!اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتعاونوا على البر، والتقوى، وقوموا بعبادة ربكم في الجهر، وما يخفى، وتجنبوا المنكرات في السر، والنجوى، تفلحوا في الآخرة، والأولى.

   أيها المسلمون! تحدثنا في جمعة سابقة عن أهمية الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله، عز، وجل، وعرفنا أن الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر وظيفة الناس أجمعين، ومهمة الصالحين، وأبرز صفات المؤمنين الصادقين، والعلامة الفارقة بين الموحدين، والمنافقين، وفعله والقيام به سبب للفلاح، والنجاة يوم الدين، وتركه وإهماله سبب لعقوبة الناس أجمعين، كما حدث في عصور السالفين، قال تعالى في قصة أصحاب السبت عن الفرقة الناهية: (لِمَ تعظون قوماً الله مُهلكهم أو مُعذِّبهم عذاباً شديداً قالوا معذرةً إلى ربِّكم ولعلَّهم يتَّقون) [الأعراف: 164] ومع هذا كله، فلن يعدم الداعي استجابة، ونفعاً من أمره، ونهيه، فالذكرى تنفع المؤمنين.

   أيها المسلمون! ومن الملاحظ على كثير من الناس أنهم يدعون أن الإنسان يهتم بنفسه فقط، فإذا استقام، واهتدى، فلا يهمه أمر الآخرين أضلوا أم اهتدوا، نجوا أو هلكوا؟ ويستدلون بقوله تعالى: ( يا أيُّها الَّذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضرُّكم من ضلَّ إذا اهتديتم) [المائدة : 105] . وهذا بلا شك تصور خاطىء، وقصور في الفهم، واستدلال في الآية في غير موضعها، فمن ترك الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر لم يهتد، ولما خشي أبو بكر، رضي الله عنه، أن ينتشر هذا المفهــوم

الخاطىء قال، رضي الله عنه: يا أيها الناس إنكم تقرؤون هذه الآية : (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضلّ إذا اهتديتم) وإني سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: " إن الناس إذا رأوا الظالم، فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه" وفي رواية أبي داود قال: " ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي يقدرون على أن يغيروا ثم لا يغيروا إلا يوشك الله أن يعمهم بعقاب".

أيها المسلمون! إن الناظر في حال كثير من المسلمين يجد ممارسات عملية لكثير من المنكرات، ولا يتحرك فيهم ساكن، كالشرك بالله، عز وجل، من مثل دعاء الصالحين، والاستغاثة بهم من دون الله عز وجل، أو اللجوء للأموات، والقبور، والأضرحة وغير ذلك من الأمور الشركية الصريحة، وكذا تجاه بعض الأمور الكفرية، كالاستهزاء بالدين، أو بالرسول، صلى الله عليه وسلم، والناهين عن المنكر، وترك الصلاة عمداً، أو كبعض الأمور الكبيرة كالتعامل بالمحرمات كالربا، والغش، والخداع، وصرف الأموال في غير مصارفها الشرعية، أو السخرية بالعلماء والمصلحين والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، وكذا التساهل في الأمور المنزلية من تربية الأولاد من بنين، وبنات، وتنشئتهم أحياناً على شبهات في الدين، أو شهوات في النفوس، وجلب الأشياء التي تنشئهم على حب الرذيلة، وميوعة التصرفات، فينشؤون نشأً غير صالح، وكذا ما يعاش في الأسواق، والشوارع من انتشار المجلات الساقطة، ونحوها التي تأمر بالمنكر علانية، وتنهى عن المعـروف، وكذا المنكرات الفكرية مما ينشر ما يخالف الإسلام، ويشكك في الدين، ويسهل المنكر، وكذا ما يتصل بالفحشاء من تبرج، وسفور، وتساهل في الخروج من المنزل، وغير ذلك من المنكرات العظيمة التي تغضب الله، جل، وعلا، وتسبب الفرقة، والخلاف، والشقاق، والعقوبة على الفرد، والمجتمع عاجلاً أم آجلاً.

 فاتقوا الله عباد الله! ومروا بالمعروف، وانهوا عن المنكر في أنفسكم، وفي بيوتكم، وفي مؤسساتكم، وما وقع ما وقع من تفشٍّ كثير من المنكرات في البيوت، وغيرها، وعدم الأمر بالمعروف إلا من تساهل عموم الناس، وصار كل فرد منا يجعل المسؤولية على غيره، ولم يع أنه مسؤول في حدود ما منحه الله، جل، وعلا، والمجتمع كالسفينة الواحدة إذا أُحدث فيها خرق واحد في أسفلها سبب هلاك من في السفينة كلهم إذا لم يأخذوا على يد من قام بهذا الخرق.

أيها المسلمون!

   ليعلم كل آمر وناصح وموجه وناهٍ أن الأمر لا يحتاج إلى قوة، أو عنف، بل الأمر سهل، وميسور إذا استعمل كل فرد صلاحياته، ومسؤولياته، فلا يجوز استعمال القوة إلا لمن يملكها، كالسلطان في سلطانه، والأب في بيته، ولكن هناك وسائل كثيرة، كالنصيحة المباشرة المصحوبة بالابتسامة، والرسالة الرقيقة، وإهداء الكتاب النافع، أو الشريط المفيد المناسب للموضوع.

   فاتقوا الله عباد الله، وتحلوا بصفات المتقين الأبرار، نفعني الله وإياكم بهدي كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذ نب فاستغفروه إنه الغفور الرحيم.



بحث عن بحث