الخطبة الثانية

   الحمد لله حمداً طيباً مباركاً فيه، كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: عباد الله ! إن استشعار عظمة الله تعالى في النفوس تزيد في الإيمان، وتعمق التوحيد، وتقر العقيدة في القلب، وإذا كان كذلك ازداد العبد محبةً لله وخشية له، وخوفاًَ منه، ورجاءً له، وأخلص العمل له، وهذا هو عين سعادة العبد وراحته وطمأنينة قلبه في الدنيا والآخرة، وإذا استشعر العبد عظمة الله تعالى، وجعلها نصب عينيه زكت نفسه، وتهذب فؤاده، وصقل قلبه، فكان أبيض نقياً يرى بنور الله، فلا تقدم نفسه على معصية، ولا يجرؤ على فعل ذنب، أو اقتراف جريمة، فالخالق أمام عينيه يستشعر قوله تعالى: ( ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه، ونحن أقرب إليه من حبل الوريد، إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد، ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد). (ق: 16-18)

   وإذا كان كذلك أيضاً قَبِلَ العبد توجيهه صلى الله عليه وسلم فيما وجه إليه، ووصف به ربه، عز وجل، أنه يرى دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء، فكيف بإنسان يقترف معصية، وربما جاهر بها وفاخر، والعياذ بالله؟

أيها المسلمون!

   إن النفوس قد تهفو إلى مقارفة المعاصي، وقد يزينها الشيطان في لحظات فتور، أو حالة انشغال عن الطاعة، فتتذكر أن الله يبصرها ويراها، فتذكر وقوعها بين يديه، فتنزجر وترعوي، وتجانب المعصية وتبتعد عنها، وإن النفوس قد تتطلع إلى ما عند الآخرين، فربما وقع فيها شيء من الحسد أو الاعتراض على قدر الله، فتتذكر أن الله تعالى هو الحكيم الذي يضع الشيء في موضعه، فتكف عن حسدها، وتنفطم عن غيها ، وإن المسلم قد يقع له من أقدار الله المؤلمة، فتتناوشه المصائب، وتعتريه المكاره، فيستشعر عظمة المولى عز وجل، ويعلم أن الأرزاق والأعمار بيد الله وحده، فيلجأ إلى الركن الركين، فيذهب عنه الجزع والهلع، وتنفتح له أبواب الأمل، وتنقلب المحنة منحة.

أيها المسلمون!

 إن استشعار عظمة الله في النفوس ليست دعوى تنطق باللسان، ولكنه تعظيم في النفوس، وعمل بالطاعات المقربة إلى الله فرائضها ونفلها، والمسارعة في ذلك.

أيها المسلمون!

   إن فئة من الناس ابتلوا بالغفلة عن الله تعالى، وعدم استشعار عظمته وجلاله، فتراهم يهيمون في كل واد، ويبحرون في بحار من الظلمات، ويغوصون في المعاصي، فيفاجئهم الأجل، وهم على ذلك، فيا لخسارتهم وهلاكهم في بعدهم عن خالقهم، وينطبق عليهم قوله تعالى : ( يا أيُّها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ، ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون، وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول ربِّ لو أخرتني إلى أجل قريب فأصَّدَّق وأكن من الصالحين، ولن يؤخر الله نفساً إذا جاء أجلها والله خبير بما تعملون). (المنافقون: 9-11).

أيها المسلمون!

   اتقوا الله ! واستشعروا عظمة ربكم وجلاله، واجعلوا ذلك قائداً لكم، وصلوا وسلموا على البشير النذير والسراج المنير كما أمركم مولاكم بقوله سبحانه (إنَّ الله وملائكته يصلون على النبي.......).



بحث عن بحث