الخطبة الثانية

  أيها المسلمون! ومن سمات المتقين: الخلق الحسن الذي يصل إلى درجة ضبط عواطف الإنسان وكبح نزواته، وتحمل سيئات الآخرين عليه، (والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين) [آل عمران: 134] درجة عليا في السمو الأخلاقي، يكظم الغيظ، والغيظ: الغضب الثائر في النفس، وكظمه: عدم إظهاره، فالمتقي هو الذي يضبط عواطفه حال معاملته مع الآخرين، ويمتنع عن الإساءة إليهم، ثم يرتفع درجة أخرى إلى (العافين عن الناس) فيستولي على شهوة النفس الأمارة بالسوء، والراغبة في الانتقام إيثاراً لما عند الله سبحانه وتعالى، وما أعده للمتقين، ثم يرتفع درجة أخرى فوق هذا الكظم والعفو إلى أن يكون محسناً في تعامله وماله وعبادته لربه، مع الله سبحانه ومع خلقه ومع البهائم، هذا خلق المتقين، والذين قدوتهم هو محمد صلى الله عليه وسلم الذي قال الله عنه: (وإنك لعلى خلق عظيم) [القلم: 4] ، وقال : (ولو كنت فظّاً غليظ القلب لانفضُّوا من حولك) [آل عمران: 159] ، وقد جاء عنه صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"  وقال صلى الله عليه وسلم: "إن أقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً الموطئون أكنافاً".

   وسادس سمات المتقين: أنهم رجاعون توابون لما بدر منهم من أخطاء، سرعان ما يستغفرون، وينيبون إلى ربهم، ويندمون على ما بدر منهم، وما تجاوزوه من أخطاء مبتعدين عن الكبر والغرور، أو التهاون في صغائر الذنوب، أو الإصرار عليها: (والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلاَّ الله ولم يُصرُّوا على ما فعلوا وهم يعلمون) [آل عمران: 135] وهذه سمة من سمات المصطفى صلى الله عليه وسلم، فقد رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يستغفر الله في اليوم والليلة أكثر من مائة مرة.

   ومن سمات المتقين: الصدق في القول والعمل والسلوك والمعاملة، صادقاً حال كلامه ومخاطبته، صادقاً في أدائه لعلمه، صادقاً في معاملته لربه سبحانه، وللناس، صادقاً مع نفسه في خلوته، يقول الشاعر:

        وإذا بحثت عن التقي وجدتــه            رجلاً يصدّق قوله بفعال

        وإذا اتقى الله  امرؤ وأطاعــه             فيداه بين مكارم ومعالي

   ومن سمات المتقين: الاستجابة الكاملة لأمر الله تعالى، والسرعة في ذلك، وقوة الدافع التنفيذي لمراد الله جل وعلا، ودوام الخشية له سبحانه، والحذر من الذنوب، والخـوف من تسرب الأمراض القلبية حال الطاعات، يقول سبحانه: ( إنَّ الَّذين هم من خشية ربهم مشفقون والّذين هم بآيات ربِّهم يُؤمنون والذين هم بربِّهم لا يشركون والَّذين يُؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلةٌ أنهم إلى ربهم راجعون أُولئك يُسارعون في الخيرات وهم لها سابقون) [المؤمنون: 57-61].

أيها المسلمون!نظـرة سريعـة فاحصة يلقيها كل واحد منا على نفسه، يتأمل فيها وضعه وسلوكه، أياً كان موقعه، وأياً كانت وظيفته، هل تنطبق عليه هذه المواصفات؟ وهل يتمتع بهذه السمات، وهل يحاول ليقارب صفات المتقين، ويلبي نداء الله سبحانه وتعالى بأمره بالتقوى؟.. فالذي يضعف إيمانه بالله سبحانه وتعالى، وتخف خشيته وخوفه له، ويقل أداؤه للشعائر التعبدية، ويبخل بماله، أو يصرفه في أمور تافهة،  أو كماليات زائدة أو وجوه محرمة، والذي لا يؤدي  أعماله الموكلة إليه على الوجه المطلوب، أو يعامل الآخرين معاملة سيئة فيها غش وخداع وكذب وزور، أو يتعامل في حرب الله الذي أعطاه بوجوه غير مشروعة كالربا والتحايل وأكل أموال الناس بالباطل.

   والذي يهمل نفسه وأهله وأسرته، فلا يبالي بما يقوّم دينهم وما يضعفهم، لا يهتم بما عملوا، ولا أين ذهبوا، ولا ما ارتكبوا، فكل هؤلاء على خطر في دينهم، وأين هم من صفات المتقين؟ فاتقوا الله عباد الله، واستجيبوا لنداء الله، واندموا على ما فعلتم من التقصير والأخطاء (يا أيُّها الذين آمنوا اتَّقوا الله وقولوا قولاً سديداً يُصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم) [الأحزاب: 70، 71]. اتصفوا بالتقوى والبسوا لباسها: (ولباس التقوى ذلك خير) [الأعراف: 26] (يا أيها الذين آمنوا اتَّقوا الله حقَّ تقاته ولا تموتُنَّ إلاَّ وأنتم مسلمون) [آل عمران: 102].

   وصلوا وسلموا على خير المتقين وقائد الغر المحجلين، كما أمر الله في كتابه الكريم حيث قال: (إنَّ الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما). والحمد لله رب العالمين.



بحث عن بحث