الخطبة الثانية

  الحمد لله رب العالمين، أحمده سبحانه ولي الصالحين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين. أما بعد:

عباد الله!

  إن من أعظم العوائق التي تقف في طريق النصر: اقتراف الذنوب والمعاصي والركون إلى الدنيا، فحين أعجب الصحابة رضي الله عنهم بكثرتهم يوم حنين كانت الدائرة عليهم في أول الأمر، كما قال تعالى: (ويومَ حُنيْنٍ إذ أعجبتكم كثرتُكُم فلم تُغنِ عنكُم شيئاً وضاقت عليكم الأرضُ بما رحُبت ثُمَّ ولَّيتُم مُدبرين) (التوبة: 25)، وحين عصى الرماة رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد بقوله: "إن رأيتمونا تخطفنا الطير، فلا تبرحوا مكانكم هذا حتى أرسل إليكم، وإن رأيتمونا هزمنا القوم وأوطأناهم، فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم، فهزموهم، قال، فأنا والله رأيت النساء يشتدون، قد بدت خلاخلهن وأسوقهن رافعات ثيابهن، فقال أصحاب عبدالله بن جبير: الغنيمة أي قوم الغنيمة، ظهر أصحابكم فما تنتظرون؟

فقال عبدالله بن جبير:

أنسيتم ما قال لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالوا: والله لنأتين الناس فلنصيبن من الغنيمة، فلما أتوهم صرفت وجوههم، فأقبلوا منهزمين" رواه البخاري عن البراء بن عازب. 

  فهذا الذنب- عباد الله- غير العمد كان سبب الهزيمة، ويا ليت شعري أين

موقع هذا الذنب بجانب المنكرات المعاصرة، والموبقات القائمة، والعلــل

عباد الله!

   إن أمة الإسلام إذا ركنت إلى شهواتها الحيوانية البهيمية، ورضيت بالذل والهوان، فسوف تمر عليها عواصف من الآلام العصيبة، والنكبات المريرة، وسوف تلاقي أبشع المصائب في تاريخها، وسوف تدفع ثمن ذلك غالياً، دينياً ودنيوياً، وستنساق لعدوها كما تنساق الشاة للجزار، وتكون رهائن بأيدي الأعداء.

أيها المسلمون!

   إنه بالنظر إلى المقاييس المادية يظن الناظر إلى أحوال المسلمين أنها سوداء قاتمة، لكنها في موازين الإيمان مبشرة مطمئنة، فكلما اشتدت المحن ظهرت المنح، وقرب انبلاج الفجر.

   ولا يدري المسلم متى النصر إلا أننا نعلم يقيناً أن الأصل في الإسلام العلو والسيادة والتمكين، فلا نستيئس من ضعف المسلمين حيناً من الدهر، فقد قال صلى الله عليه وسلم: " الإسلام يَعْلُو ولا يُعْلَى"، رواه البخاري، وأخبر صلى الله عليه وسلم باستمرار ديانة الإسلام فقال: "ولا يزال الإسلام يزيد، وينقص الشرك وأهله حتى تسير المرأتان لا تخشيان جوراً، والذي نفسي بيده لا تذهب الأيام والليالـي حتى يبلغ الدين مبلغ هذا النجم" رواه الطبراني ، نعم أيها المسلمون! إنها بشريات تذيب كل يأس، وتدفع كل قنوط، وتثبت كل صاحب محنة، وتريح قلب كل فاقد للأمل من أبناء هذا الدين، قال صلى الله عليه وسلم: "بشر هذه الأمة بالسناء والرفعة والدين والنصر والتمكين في الأرض" رواه أحمد .

عباد الله!

في تبصر أموركم، والوعيَ الوعيَ في ظروفكم وأحوالكم ومدارسة سنن الله التي لا تتخلف، ثم اعملوا وأبشروا، فكلما زادت الغيوم هطلت الأمطار، وأنبتت الأرض وازينت، عجّل الله الفرج والفجر، وأذل أهل النفاق والكفر.

  ثم صلوا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه حيث قال جل وعلا: (إنَّ اللَّه وملائكتَهُ يُصلُّون على النَّبي يا أيُّها الذينَ آمنوا صلُّوا عليه وسلِّموا تسليماً) (الأحزاب: 56).



بحث عن بحث