الخطبة الثانية

   الحمد لله الذي كرم بني آدم، وفضلهم على كثير ممن خلق تفضيلاً، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأسبح بحمده بكرة وأصيلاً. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بعثه إلى الناس هادياً ومبشراً ونذيراً، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وأتباعهم بإحسان، وسلم تسليماً كثيراً.

عباد الله!

   ومن صور الفساد والإفساد في واقعنا المعاصر: صورة شوهاء منكرة لقوم من جلدتنا يتكلمون بألسنتنا، ويخادعوننا بالليل والنهار عن ثوابتنا وقيمنا، فيلبسون الحق بالباطل، ويلوون الألفاظ، ويقلبون الحقائق، تحت مزاعم التحرير والتطوير والتنوير- زعموا- يريدون لنسائنا وبناتنا الانطلاق في ميادين العمل والاختلاط بالرجال، بلا ضوابط ولا قيود؛ حتى يتسنى لهم إخراجهن شيئاً فشيئاً من حصون الحجاب والحياء والفضيلة.

   ويظاهر هؤلاء ويعينهم ويمدهم في غيّهم قرناء لهم يقومون على وسائل إعلامية ترفع شعار الفجور والمجون والرذيلة، من فضائيات هابطة، ومجلات ساقطة، وغيرها من الوسائل التي عمّت بها البلوى، وغزت بيوت المسلمين إلا من رحم الله!

   أيها المسلمون! وبالرغم من هذه الفتن والمغريات بالفساد تقف المسلمة الربانية شامخة لا تهزها زوابع المفسدين، ولا تغرّها تسمية الأشياء بغير اسمها، فبطلان دعاوى المفسدين يغني عن إبطالها، ولم تعد تنطلي إلا على من في قلوبهم مرض وهوى.

   ولم تزل المرأة المسلمة حتى يومنا هذا تقدم صوراً رائعة من العطـاء والإبداع لم تحتج معها إلى نبذ حياتها أو خلع حجابها أو التنكر لما أمرها به المولى جل وعلا. فما رأي دعاة التحرير المزعوم في هذه الصور المشرقة؟!

   وعلى الجانب الآخر: ما رأي دعاة التحرر المزعوم في حال الغربيين وواقعهم المشاهد من تحلل أخلاقي.. وتفكك أسري.. وشيوع للرذيلة.. واختلاط للأنساب؟! فهل هذه هي الحياة التي يريدونها للمرأة المسلمة والمجتمع المسلم والأمة الإسلامية؟!

   وهذه كاتبة أمريكية بعد أن قضت عدداً من الأسابيع في إحدى العواصم العربية، ثم عادت إلى بلادها، تقول: " إن المجتمع العربي كامل وسليم، ومن الخليق بهذا المجتمع أن يتمسك بتقاليده التي تقيّد الفتاة والشاب في حدود المعقول. وهذا المجتمع يختلف عن المجتمع الأوربي والأمريكي.. والإباحية الغربية التي تهدم اليوم المجتمع والأسرة في أوربا وأمريكا.. امنعوا الاختلاط، وقيّدوا حرية الفتاة، بل ارجعوا إلى عصر الحجاب، فهذا خير لكم من إباحية وانطلاق ومجون أوربا وأمريكا". انتهى كلامها، والفضل ما شهدت به الأعداء.

   فالحمد لله على نعمة الإسلام، ونسأل الله أن يحفظ نساء الأمة من مكر الماكرين.

   أيها المؤمنون! وبقدر عظم جريرة الفساد والإفساد؛ يعظُم دور المصلحين؛ من الولاة والعلماء، والدعاة والمفكرين، والآمرين بالمعروف، والناهين عن المنكر، الذين يراغمون الفساد، ويدرؤونه عن العباد والبلاد، فإنهم – بحول الله وقوته- أوتاد يحفظ الله بهم الأمة من الهلاك، قال الله جل وعلا: (فلولا كان من القُرونِ من قبلكم أُولوا بقيَّةٍ ينهون عن الفساد في الأرض إلاَّ قليلاً ممَّن أنجينا منهم واتَّبع الذين ظلموا ما أُترفوا فيه وكانوا مجرمين* وما كان ربُّك ليُهلك القُرى بظلمٍ وأهلُها مصلحون) (هود:-116-117).

   والحمدلله الذي شرّف هذه البلاد بولاة وعلماء ودعاة، وهيئات رسمية، ومؤسسات غير رسمية، للدعوة والإفتاء والإرشاد وغيرها، تسعى لإزالة المنكرات والتخفيف منها، وحراسة العفاف والفضيلة بين الناس. فنسأل الله أن يعينهم ويسددهم ويوفقهم في هذه المهمة العظيمة.

   ولا يعني ذلك- عباد الله- قصر هذا الدور عليهم، فكلنا راع ومسؤول عن رعيته، والدعوة إلى الله والأمر بالمعروف واجب على كل مسلم بقدر استطاعته؛ حتى يسلك بنفسه في درب النجاة.

   فاتقوا الله عباد الله... احفظوا أماناتكم، وارعوا مسؤولياتكم، واتبعوا علماءكم.

   واحذروا وحذّروا من الفساد في الأرض بكل صوره، وليعلم كل مسلم ومسلمة أنه لبنة في حصون الأمة، فلا يؤتين من قبله. ثم صلوا وسلموا على رسول الله كما أمركم الله في كتابه الكريم حيث قال : (إنَّ الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً).



بحث عن بحث