الخطبة الثانية

   الحمدلله وحده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.

عباد الله !

   إن من تمام التوحيد ورسوخه في القلوب أن يعتقد المسلم أن آيات الله في كونه وتصريفه لها هي تخويف وعبرة ومجال للعبادة، ففي الحديث المتفق عليه- في الكسوف- أنه صلى الله عليه وسلم قال: " إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، ولكنهما آيتان من آيات الله يخوف الله بهما عباده، فإذا رأيتم ذلك، فصلوا وادعوا حتى ينكشف ما بكم"  .

   فهذه المخلوقات قاطبة مسخرة بأمره جل وعلا، يفعل بها ما يشاء سبحانه، تسبح بحمده، وتثني عليه، وتعبده، وتسجد له وحده، روى البخاري عن أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له حين غربت الشمس:  " تدري أين تذهب؟ " قلت: الله ورسوله أعلم، فقال صلى الله عليه وسلم: "فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش، فتستأذن فيؤذن لها، ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها، وتستأذن فلا يؤذن لها، يقال لها ارجعي من حيث جئت، فتطلع من مغربها، فذلك قوله تعالى: ( والشَّمسُ تجري لِمُستقرٍّ لها ذلك تقديرُ العزيز العليم ) (2) ". (يس: 38).

أيها المؤمنون:

لقد هز العديد من الكوارث والزلازل وغيرها من المحن العديد من بلدان العالم في الآونة الأخيرة، مثل كارثة تسونامي وإعصار كاترينا وغيرها، وهاج الناس وماجوا بين ردود فعل من هنا وهناك، وخرجت وسائل الإعلام الغربية بتحليلات وآراء لمتخصصين لا تتضمن أية إشارة إلى قدرة الله وسننه الكونية.

عباد اللــه !

   وإذا كان هذا هو حال البائسين المعرضين عن منهج الله وفهم سننه في الكون، فإن المؤمنين بكتاب ربهم وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم لا تغنيهم هذه التحليلات والتنظيرات عن الفهم الرباني في ضوء الوحي المطهر؛ فلهم فيها عبرة وموعظة وذكرى، قال الله جل وعلا: ( أوَلاَ يرونَ أنَّهُم يُفتنون في كُلِّ عامٍ مرَّة أوْ مرَّتين ثم لا يتوبُون ولا هُم يذكَّروُن) (التوبة:126) ، وقال سبحانـه : (إنَّ في ذلك لذِكْرَى لِمَنْ كانَ لهُ قلبٌ أوْ ألقى السمْعَ وهو شهيدٌ ) (ق: 37).

عباد الله !

 نعم.. هذه هي الثمرة الحقيقية للتأمل في الأنفس والآفاق وتصريف المولى الحكيم الخبير للكون والخلق.. تفكر في حكمة المولى، واتعاظ واعتبار بما يجري في كونه بخلقه وأمره ونكاله بمن طغوا في البلاد وأظهروا فيها الفساد.. كيفما يحدث في القلوب توبة وإنابة إلى الله تعالى.

   فلنحرص على تدبر كتاب ربنا وسنة نبينا؛ حتى لا تميد بنا الأهواء والآراء، وحتى لا تستفزنا كل نازلة حلت بالناس (ولكن كُونُوا ربَّانيين) (آل عمران: 79) ، وبسنة المصطفى مهتدين، إيماناً ويقيناً ، وتصديقاً وتسليماً، وذكراً وشكراً، ودعاءً وتضرعاً، قال تعالى: (إنَّ ربَّكُُمُ الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيَّامٍ ثم استوى علـى العرش يُغشي الليل النهار يطلبه حثيثاً والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره أَلاَ له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين* ادعوا ربكم تضرعاً وخفيةً إنَّه لا يحب المعتدين* ولا تُفسدوا في الأرض بعد إصلاحها وادعوه خوفاً وطمعاً إنَّ رحمت الله قريب من المحسنين* وهو الذي يرسل الرياح بُشراً بين يدي رحمته حتى إذا أقلَّت سحاباً ثقالاً سقناه لبلد ميِّتٍ فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات كذلك نخرج الموتى لعلَّكم تذكَّرون* والبلد الطيِّبُ يخرج نباته بإذن ربه والذي خبُثَ لا يخرجُ إلاَّ نكِداً كذلك نُصرِّفُ الآيات لقوم يشكرون) (الأعراف : 54-58).

   أيها المسلمون! إن سنن الله تعالى جارية في هذا الكون، لا نسب لها ولا حسب، ولا جاه ولا شفاعة، ولا حفظ ولا نجاة من تلك الظواهر إلا بطاعة الله وعبادته واللجوء إليه، والعودة إليه سبحانه عودة صادقة تبدأ بالنفس والأهل، ثم الدعوة إليه جل وعلا والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، روى أحمد، والترمذي، عن حذيفة رضي الله عنه أن رسـول الله صلـى الله عليه وسلم قال: " والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكـن الله أن يبعث عليكم عقاباً من عنده، ثم لتدعنه فلا يستجيـب لكم"  وفي الحديث المتفق عليه عن أم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا إله إلا الله ، ويـل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج مثل هذه- وحلق بإصبعه الإبهام والتي تليها- قيل:أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثر الخبث". (2)

   والله المستعان والهادي إلى سواء السبل. ثم صلوا وسلموا على البشير النذير كما أمركم المولى سبحان بقوله: (إنَّ الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً).



بحث عن بحث