الوقفة الأولى:

شرح مفردات الباب:

(الحلقة) : طوق من النحاس كان المشركون يجعلونها في عضدهم يزعمون أنها تحفظ من العين أو الجن أو من السحر .

(الخيط): ما كان يعقده المشركون على أيديهم ورقابهم يزعمون أن هذا الخيط يدفع الحمى .

(أو نحوها): أي نحو الحلق والخيط مما يلبس في الرجلين أو العنق .

(الواهنة) : عرق يؤلم في الكتف أو في اليد كلها .

(تميمة) : خرزات وحروز يعلقها الجهال يزعمون أنها ترد العين .

(الوَدَعة): جمعها ودع وهو شيء أبيض يخرج من البحر يشبه الصدف كانوا يتقون به العين .

الوقفة الثانية:

افتتح المؤلف - رحمه الله تعالى - هذا الباب بهذه الآية وهي قولـه تعالى: (قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ)  .

فالله سبحانه وتعالى يقول في هذه الآية: قل يا محمد أفرأيتم أيها المشركون ما تدعون من دون الله من الأصنام ومن الأوثان إن أرادني الله بضر هل هذه المعبودات تستطيع أن تكشف هذا الضر، أو قدر لي رحمةً من الرحمات في الدنيا أو في الآخرة هل تستطيع هذه المعبودات أن تمسك هذه الرحمة؛ لا أحد ينكر أنها لا تستطيع أن تكشف هذا الضر لأنها لا تستطيع أن تقدم شيئاً لنفسها ، لكن حال المشركين أنهم يعبدونها لتكشف ضراً أو تجلب نفعاً، فالله سبحانه وتعالى يقول: قررهم يا محمد هل هذه المخلوقات تكشف الضر أو تجلب الرحمة ؟ والجواب معلوم أنها لا تستطيع، ولذلك قل: حسبي الله، فالله سبحانه وتعالى هو الكافي وهو الشافي، عليه يتوكل المتوكلون وهم المؤمنون الصادقون.

أما هذه الوسائل التي هي الحلقة والخيط ونحوها ما هي إلا من تصوير الشيطان يلبس بها على ضعفاء الإيمان والعقول.

الوقفة الثالثة :

في حديث عمران أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً في يده حلقة من صفر فالرسول صلى الله عليه وسلماستنكر وقال : (ما هذه الحلقة؟) قال: من الواهنة بمعنى أنها تدفع عنه هذه الواهنة، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (انزعها لا تزيدك إلا وهناً) يعني لا تزيدك إلا ضعفاً، وأنها لا تجلب نفعاً ولا تدفع ضراً، وبيّن النبي صلى الله عليه وسلم نتيجة هذا العمل بقوله: (فإنك لو مت وهي عليك ما أفلحت أبداً) يعني ما سعدت في الدنيا ولا في الآخرة، فالنبي صلى الله عليه وسلم أراد من هذا الرجل أن لا يتعلق بهذه الوسائل التي تؤدي به إلى الشرك بالله عز وجل .

الوقفة الرابعة :

أن العبرة بالخواتيم لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فإنك لو مت وهي عليك ..) فدل على أن الله سبحانه وتعالى يقبل التوبة ما دام الإنسان لم يمت، فيختم للإنسان بعدم التوحيد إن وقع في مثل هذه الأشياء، وللأسف قد وقع فيها كثير من المسلمين سواء حلق أو خيط أو خرق أو متعلقات أو ربط يربطون على رؤوسهم أو على أصابعهم أو على أيديهم، كل هذه لا تزيد إلا ضعفاً، ولا تزيد إلا وهناً، وهي من عوامل الخسارة والهلاك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لو مت وهي عليك ما أفلحت أبداً) . وعليه فليحذر المسلم من الوقوع بشيء من ذلك لئلا تحصل لـه هذه النتيجة المهلكة.

الوقفة الخامسة :

إن استخدام هذه الأمور من لبس الحلق والخيط وتعليق التمائم قد يكون لرفع البلاء أو دفعه، فقد يكون قصد من لبسه هو رفع البلاء قبل نزوله، وقد يكون المقصود من اللبس هو رفع البلاء بعد نزوله، والحكم على هذا الفعل سواء، سواء لرفع البلاء أو لدفع البلاء . فلا يتغير الحكم.

والمقصود بهذا أن الشرك بحسب نية هذا اللابس فإن كان اللابس لهذه الحلق أو لهذا الخيط يقصد أن هذه الحلق ترفع البلاء بنفسها أو أن هذا الخيط يدفع البلاء بنفسه فهذا شرك أكبر لأنه جعل هذه الحلق مساوية لله سبحانه وتعالى يدفع البلاء بشيء من الأمور التي لا يستطيعها إلا الله سبحانه وتعالى .

أما إذا كان يقصد أنها سبب لدفع البلاء وليست هي تدفع البلاء بنفسها فهذا من الشرك الأصغر .

الوقفة السادسة :

في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من تعلق تميمة فلا أتم الله لـه ومن تعلق ودعة فلا ودع الله لـه) نجد عند التأمل في هذا الحديث وأمثاله أنه يعالج أموراً نفسية قد ابتلي بها بعض الناس وللأسف في هذا الوقت من أثر عين أو سحر أو ما تسببه بعض مشكلات الحياة الاجتماعية، فنجد أن الحديث قد عالج هذه المشكلات من خلال الأمور الآتية :

الأول: وجوب التعلق بالله سبحانه وتعالى وعدم التعلق بشيء من أمور الدنيا فدعاء النبي صلى الله عليه وسلمعلى من تعلق تميمة أو تعلق ودعة بأن لا يتم الله لـه، فيه سد للباب في الأمور الدنيوية التي لا تضر ولا تنفع .

وقد يقول قائل: كيف يضرني الله تعالى ولم يضر فلاناً؟ فيقال: إنه قد يكون هذا من البلاء لك، ومن حكمة الله في هذه الحياة أنه قضى على الناس أن يبتلوا، وأشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل وهكذا، فأنت إذا ابتليت فاعلم أن هذا من عند الله سبحانه وتعالى وقد يكون في هذا رفعة للدرجات وتكفير للسيئات .

الأمر الثاني: أن هذه المصائب التي تصيب الإنسان أياً كانت هذه المصائب ما هي إلا محطات في طريق المسلم في هذه الحياة، فأنت لما تصاب بمرض فكأن الله سبحانه وتعالى يقول: انتبه أنت قد يصيبك ما أصابه فتموت، فتزيد عبادتك ويزيد تقربك من الله سبحانه وتعالى .

ومحصول هذا أن هذه الابتلاءات لِحِكَم لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى . فيجب على المسلم أن يملأ قلبه يقيناً بهذا التوجيه.

الأمر الثالث: أن هذه المصائب قد تصيب الإنسان لرد الطغيان لأن الإنسان قد يطغى بمادته أو بماله وجاهه، ثم قد تأتيه هذه الابتلاءات فيقف عن هذا الطغيان ويرجع إلى ربه ويحسن عبادته لـه ويزداد تقرباً إليه سبحانه وتعالى .

فيجب على كل من أصيب بمرض نفسي أو هم أو غم أو قلق أو اكتئاب أو ضيق في الصدر أو ضيق في العيش وغيرها من أنواع المصائب أن يتذكر أن المقدر لهذه الأشياء هو الله سبحانه وتعالى، ومن توكل على الله كفاه، فكن ولياً لله سبحانه وتعالى بالتوكل عليه فستجد بإذن الله الراحة النفسية والاطمئنان القلبي .

الوقفة السابعة :

أنه ينبغي للمسلم أن يتداوى بالأسباب المباحة، فالله تعالى أباح لنا أن نتداوى بالأسباب الشرعية المباحة؛ كالتداوي بالقرآن الكريم فقد جعل الله فيه شفاء للناس، وأيضاً عن طريق الأسباب الأخرى المادية المعروفة إذا وصف هذا الدواءَ طبيبٌ موثوق فلا بأس حينئذ بالتداوي، ولكن ينبغي الحذر من التداوي بالحرام لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تداووا ولا تتداووا بحرام) .

وأن يبتعد عن التداوي بالأمور الشركية كما مر سابقاً من لبس الحلق والخيط أو التعلق بغير الله سبحانه وتعالى، ولذلك تلا الرسول صلى الله عليه وسلم أو تلا حذيفة قولـه تعالى : ]وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ)  وهذه الأمة مهما كان فيها من الإيمان فإنهم قد يقعون في الشرك الأكبر أو الأصغر من حيث يعلمون أو لا يعلمون، فعلى المسلم أن يحذر مثل هذه الأشياء وأن يعتمد على الله سبحانه وتعالى .   



بحث عن بحث