الوقفة الأولى:

شرح مفردات الباب:

(نسكي) : أي ذبحي لبهيمة الأنعام .

(انحر): أي اذبح ، والأصل أن الذبح يكون للبقر والغنم ، وأما النحر فيكون للإبل.

(لعن الله) : اللعن من الله هو الطرد والإبعاد عن رحمته واللعن من الخلق: السب والشتم.

(آوى محدثاً): أي نصر وحمى المحدث، والمحدث بكسر الدال هو الذي أحدث في دين الله مالم يشرعه، أو أحدث أمراً منكراً في الأمة كالجرائم وانتهاك الحرمات .

(منار الأرض): العلامات التي تفصل بين حقوق الناس في الأراضي والمزارع وغيرها.

الوقفة الثانية:

ذبح البهائم على ثلاثة أنواع :

النوع الأول: الذبح عبادة لله عز وجل مثل ذبح الهدي في الحج ، وذبح العقيقة للمولود، وذبح الأضحية، وذبح البهيمة ليتصدق بها على الفقراء ... فهذه من العبادات التي يؤجر عليها المسلم ، ومنها ما هو واجب كالهدي على المتمتع في الحج، ومنها ما هو مستحب كالذبح من أجل الصدقة.

النوع الثاني: الذبح في الأمور العادية كأن يذبح الإنسان ليأكل هو وأهله اللحم ، أو يذبح لأجل الضيف، فهذا الأصل فيه الإباحة والجواز، وبقدر نيته الصالحة واحتسابه يؤجر عليه .

النوع الثالث: الذبح عبادة لغير الله، وهو المراد بهذا الباب، وهو شرك بالله عز وجل ، إذ الأصل أن الذبح عبادة لا تصرف إلا لله وحده ولو كان قليلاً، ففي الحديث الذي ذكره المصنف في الرجل الذي قرب ذباباً للصنم فدخل النار دليل على ذلك .

وعليه فمن ذبح تقرباً للصنم أو الجن أو الشجر أو الحجر أو الضريح أو لساحر فهو مشرك بالله شركاً أكبر مخرجاً من الملة .

الوقفة الثالثة :

إن من ذبح لغير الله بمعنى أنه صرف نوعاً من العبادة لغير الله فقد أشرك بالله، ولهذا ما يفعله بعض الناس من الذبح للأولياء والأضرحة والقبور، وكذا ما يطلبه بعض السحرة من المرضى من الذبح في حمامٍ أو مزبلة أو خربة ويقولون لـه: لا تذكر اسم الله عند الذبح ولكن قل: باسم فلان الساحر أو الجني، أو لا تذكر أي اسم عند الذبح؛ فكل ذلك شرك بالله، ويخشى على صاحبه أن يكون كصاحب الذباب، والعياذ بالله .

وحديث صاحب الذباب يبين أن الشرك أمر خطير جداً فقد يقع من المرء بسرعة وبشيء يسير، وظاهر القصة أن هذا الرجل ذبح بنية التقرب لهذا الصنم، ولو فعله بنية التخلص من شرهم ولم ينو الذبح لغير الله فلا يكفر؛ لقوله تعالى : ]مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ)  .

وبالضد فإن التوحيد يوجب دخول الجنة وعدم التخليد في النار ولو كان المسلم عاصياً، فهو تحت مشيئة الله سبحانه إن شاء عفا عنه وإن شاء عذبه بقدر معصيته ولكن مآله للجنة ، ولهذا يقول الله تبارك وتعالى : ]إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ )  .

الوقفة الرابعة :

حديث علي رضي الله عنه الذي ذكره المصنف حديث عظيم ، وفيه اللعن من الله لمن اتصف ببعض الصفات، ومنهم من ذبح لغير الله لأنه اعتدى على مقام الألوهية فأشرك في عبادة الله غير الله، ومنهم من لعن والديه وهما الأب والأم وإن عَلَيا فيدخل في ذلك جميع الأجداد والجدات سواء من جهة الأب أو من جهة الأم، ولعن الوالدين قد يكون مباشرة بأن يلعن شخص والده أو والدته ، ويكون أيضاً بغير مباشرة كأن يلعن والدَ شخصٍ آخر فترجع هذه اللعنة إلى والده فكأنه لعن والده مباشرة والعياذ بالله، ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه، يلعن أبا الرجل فيلعن أباه، ويلعن أمه فيلعن أمه).

ومنهم من آوى محدثاً فحماه ونصره أو تستّر عليه، لأن في ذلك تعاوناً على الإثم والعدوان .

ومنهم من غير منار الأرض وهي العلامات التي تفصل عقارات الناس وتبينها، وفي هذا تلبيس على الناس ومدعاة لقيام الخصومة بينهم فيما بعد، فالواجب على المسلم الحذر من كل هذه الأمور التي تسخط الله، نسأل الله العفو والعافية .



بحث عن بحث