الوقفة الأولى

شرح مفردات الباب:

(الاستغاثة) : هي طلب الغوث بإزالة الشدة التي حصلت للإنسان .

(الدعاء) : مجرد الطلب، والفرق بين الاستغاثة والدعاء أن الاستغاثة لا تكون إلا بإزالة الشدة في المكروب، والدعاء يكون عاماً سواء في حالة الشدة والكرب أو في عدمها.

(الظالمين): المراد بالظلم هنا الشرك؛ لأن الشرك أعظم الظلم، فمن دعا غير الله فقد أشرك.

(يمسَسْك) : أي يصبك .

(فابتغوا) : أي اطلبوا .

(غافلون): لا يشعرون بدعاء من دعاهم؛ لأنهم إما أموات أو جماد أو ملائكة مشغولون بما خلقوا لـه .

الوقفة الثانية :

بيّن المصنف - رحمه الله - أن الاستغاثة بغير الله شرك وأن دعاء غير الله شرك، وهذا الشرك المقصود به الشرك الأكبر؛ لأن الاستغاثة والدعاء مما يجب صرفه لله سبحانه، فأشرك هذا الصارف مع الله غيره، فمن صرف نوعاً من أنواع العبادة لغير الله فقد أشرك.

وعطف الدعاء على الاستغاثة من باب عطف العام على الخاص، وقد بيّن أن الاستغاثة طلب الغوث بإزالة الشدة فلا تكون إلا من المكروب، أما الدعاء فهو أعم لأنه يكون في المكروب وغيره، فبينهما عموم وخصوص مطلق؛ فكل استغاثة دعاء وليس كل دعاء استغاثة، والمراد تحريم الاستغاثة بغير الله وتحريم دعاء غيره من الأموات والغائبين، وأنهما من الشرك الأكبر .

الوقفة الثالثة:

الاستغاثة من حيث حكمها تنقسم إلى ثلاثة أقسام :

القسم الأول: الاستغاثة الواجبة وهي التي تطلب من الله وحده لا شريك لـه، فهي عبادة يجب صرفها لله سبحانه.

القسم الثاني: الاستغاثة الجائزة وهي الاستغاثة بالحي الحاضر القادر على نصرة المستغيث وهذا مثل الغريق الذي يستغيث بشخص ينقذه من الغرق وهو قادر على ذلك، فهذه استغاثة جائزة .

القسم الثالث: الاستغاثة المحرمة وهي الاستغاثة بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله؛ مثل الاستغاثة بالأموات أو الغائبين، فهذه استغاثة محرمة بل هي شرك أكبر كما سبق.

أما الدعاء فهو نوعان:

النوع الأول: دعاء عبادة وهو التقرب إلى الله جل وعلا بالأعمال الصالحة كالتقرب إلى الله بالصلوات هو من الدعاء، وكذلك التقرب إلى الله بالأذكار وبالثناء عليه، كل ذلك من الدعاء، وكذلك الصيام وغيرها من الأعمال الصالحة تدخل في معنى الدعاء العام وهو دعاء العبادة .

النوع الثاني: وهو المعنى الأخص وهو دعاء المسألة بأن يطلب أن يرفع عنه ضراً أو يجلب لـه نفعاً، فإن كان هذا الدعاء لله فهو أمر عبادي مشروع، بل هو مندوب إليه والله سبحانه حث عليه وحث عليه رسوله صلى الله عليه وسلم .

فالداعي يسأل ربه شيئاً من أمور الدنيا كالخير والرزق والأمن، أو يسأله سبحانه أمراً من أمور الآخرة من المغفرة ودخول الجنة وهو أعظم .

فإذا كان هذا الدعاء لغير الله فهو شرك أكبر؛ لأنه صرف نوعاً من أنواع العبادة لغيرا لله كمن يدعو الأموات والأضرحة فيقول: يا سيدي فلان اشفِ مريضي ويا ولييّ فلان ارزقني، فهذا شرك أكبر نعوذ بالله من الضلال .

الوقفة الرابعة:

حكم الاستغاثة بالرسول صلى الله عليه وسلم :

تنقسم إلى قسمين :

القسم الأول: ما كان في حياته ويقدر عليه صلوات الله وسلامه عليه فهذه استغاثة جائزة ، أما إذا كان لا يقدر عليها الرسول عليه الصلاة والسلام وإنما يقدر عليه الله سبحانه فهذه في الشرك، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم : (إنه لا يستغاث بي وإنما يستغاث بالله) .

القسم الثاني: الاستغاثة بالرسول صلى الله عليه وسلم بعد مماته فهذه استغاثة محرمة لأنه صلى الله عليه وسلم بعد مماته لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً فضلاً أن يملك لغيره، فإذا كان هذا في حق رسول الله صلى الله عليه وسلم فغيره من باب أولى. بصّر الله تعالى الجميع بالحق والعمل به . 



بحث عن بحث