الوقفة الأولى:

شرح مفردات الباب:

(أنداداً) : جمع ند ، وهو الشبيه والنظير .

(يحبونهم كحب الله): أي أن هؤلاء الكفار يحبون الأنداد كمحبة الله، فيجعلونهم شركاء لله في المحبة .

(عشيرتكم) : أقرباؤكم الأدنون.

(اقترفتموها): اكتسبتموها .

(كسادها): عدم رواجها .

الوقفة الثانية :

المحبة تنقسم إلى قسمين :

أ - محبة عبادة: وهي التي توجب التذلل والتعظيم للمحبوب، ومن ثم ينفذ أوامره ويجتنب نواهيه، وهذا القسم لا يكون إلا لله سبحانه، فمن أحب مع الله غيره محبة عبادة فقد أشرك شركاً أكبراً .

ب - محبة ليست عبادة في ذاتها : وهي أنواع :

النوع الأول: محبة إشفاق ورحمة ، كمحبة الوالد لولده ، والكبير للصغير .

النوع الثاني: محبة تقدير واحترام، كمحبة الولد لوالده ، والصغير للكبير.

النوع الثالث: محبة مودة ورحمة: كمحبة الزوجين لبعضهما .

النوع الرابع: محبة طبيعية : كمحبة الطعام واللباس والمسكن .

وهذه الأنواع يمكن أن تسمى "محاباً ذاتية" والأصل فيها الإباحة ، ولكن قد تكون طاعة لله سبحانه بالنية الطيبة واحتساب الأجر عند الله ، وقد تكون معصية لله إذا غلا المحب في محبوبه ، بل قد يصل به إلى الشرك إذا ساوى بها محبة الله سبحانه .

الوقفة الثالثة:

من الأخطاء التي يقع بها بعض الناس محبة القبر أو صاحبه أكثر من محبة الله أو مثله، إما صراحة بلسانه أو ضمناً بحاله بأن يقدّم لهذا القبر عبادات وقربات لا تقدم إلا لله سبحانه، بل إن بعضهم يقدم لهذا الميت عبادات لا يقدمها لله سبحانه عياذاً بالله، فقد تجد بعضهم يقرب الذبائح والأموال لهذه القبور ويتعلق بها إما رغبة وطلباً منها أو خوفاً من شرها، وهذا خطأ عظيم، فالعبادات لا تصرف إلا لله تبارك وتعالى ، كما قال سبحانه : ]وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ[  .

وجاء في صحيح مسلم قولـه صلى الله عليه وسلم: (من لقي الله لا يشرك به شيئاً دخل الجنة، ومن لقيه يشرك به شيئاً دخل النار)  .

* ومن الأخطاء في المحبة الغلو في محبة الرسول صلى الله عليه وسلم وفاعله يخشى عليه من الشرك، إذ أنه صلى الله عليه وسلم نهى أمته عن الغلو فيه فقال: (لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد ، فقولوا : عبد الله ورسوله) . لاشك أن محبة النبي صلى الله عليه وسلم  فوق كل محبة سوى محبة الله تعالى وهي من أوجب الواجبات، ولكن المحذور أن تصل إلى محبة الله.

*ومن الخطأ جعل مناسبات معينة لذكرى ميلاده عليه الصلاة والسلام أو هجرته أو بعثته أو ليلة إسرائه ، فالعبد مأمور باتباعه عليه الصلاة والسلام الذي هو مقتضى محبته عليه الصلاة والسلام ، ولم يرد عن أصحابه السلف الصالح رضوان الله عليهم فعل شيء من ذلك، فإذا كانوا هم أعلم الناس فليسعنا ما وسعهم، بل إن القرون الثلاثة المفضلة لم يفعلوا ذلك وقد قال عليه الصلاة والسلام: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد).

*كذلك من الأخطاء أن بعض الناس يخلط بين المعاملة الحسنة للكافر وبين محبته ومودته المنهي عنها، فيظن أن مقتضى عدم المحبة لـه أن يعامل بجفاء وغلظة، وهذا غير صحيح ويدل عليه قولـه تعالى: ]وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ[  ، كما أمر سبحانه هارون وموسى بذلك حينما أرسلهما لفرعون بقوله : ]فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ  يَخْشَى[  . وزار النبي صلى الله عليه وسلم يهودياً في مرضه رجاء أن يُسلم .

فهنا يجب أن نعلم أن المحبة القلبية لا تكون إلا للمؤمن ولا تكون للكافر ، أما التعامل الحسن فهذا يكون لعامة الناس حتى الكفار منهم هذا هو الطريق الوسط ، الذي لا إفراط ولا تفريط فيه .

الوقفة الرابعة :

أن محبة الله ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم سبب لحصول حلاوة الإيمان، والإيمان المقصود به الإيمان بالله عز وجل، ويكون بتصديق القلب ، وبالتحدث باللسان، والعمل بالجوارح، ولهذا الإيمان حلاوة في القلب وراحة نفسية تطرد الهموم والغموم ، والقلق والاكتئاب .

والعنصر الثاني الذي يجلب الحلاوة الإيمانية أن يحب المسلم أخاه المسلم في الله لأجل صلاحه الديني من كثرة عبادة  أو أعمال خيرية قام بها أو علم أو صلة للناس أو خلق رفيع ملك به القلوب ، وهذه المحبة لها ثواب كبير كما جاء في حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله وذكر منهم (رجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وافترقا عليه) وكذا الرجل الذي ذهب لزيارة أخ لـه في الله فجاء ملك فبشره بالجنة لأجل ذلك .

العنصر الثالث هو أن يكره أن يرتد عن الإسلام ويرجع عنه إلى الكفر مثل كرهه أن يلقى في النار، ومعنى هذا أن يكره الكفر. ولهذا يقول سبحانه : ]لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ[  وهنا نكته ذكرها ابن حجر عن أبي محمد بن أبي حمزة أنه قال: "إنما عبر بالحلاوة في هذا الحديث لأن الله شبه الإيمان بالشجرة في قولـه تعالى : ]ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ[  فالكلمة هي كلمة الإخلاص ، والشجرة أصل الإيمان، وأغصانها اتباع الأوامر واجتناب النواهي ، وورقها ما يهتم به المؤمن من الخير، وثمرها عمل الطاعات ، وحلاوة الثمر جني الثمرة، وغاية كماله تناهي نضج الثمرة، وبه تظهر حلاوتها"  .

الوقفة الخامسة :

الأسباب الجالبة لمحبة الله لعبده، ومحبة العبد لربه - كما ذكرها ابن القيم في مدارج السالكين - على النحو التالي:

1 - قراءة القرآن بالتدبر لمعانيه وما أريد به .

2 - التقرب لله تعالى بالنوافل، كما في الحديث القدسي : (ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه) رواه البخاري   .

3 - دوام ذكر الله باللسان والقلب والعمل والحال .

4 - إيثار محابه على المحاب كلها عند غلبة الهوى .

5 - مطالعة القلب لأسمائه وصفاته ومشاهدتها، وتقلبه في رياض هذه المعرفة وميادينها.

6 - مشاهدة بره وإحسانه ونعمه الظاهرة والباطنة .

7 - وهو أعجبها : انكسار القلب بين يدي الله سبحانه وتعالى .

8 - الخلوة بالله وقت النزول الإلهي آخر الليل ، وتلاوة كتابه ، ثم ختم ذلك بالاستغفار والتوبة .

9 - مجالسة المحبين الصادقين ، والتقاط أطايب ثمرات كلامهم، ولا يتكلم العبد إلا إذا ترجحت مصلحة الكلام، وعلم أن فيه مزيداً لحاله ومنفعة لغيره .

انتهى كلام ابن القيم - رحمه الله – بشيء من التصرف .

الوقفة السادسة :

من علامات محبة الرسول صلى الله عليه وسلم ما يأتي:

1 - اتباعه صلى الله عليه وسلم فيما أمر ، واجتناب ما نهى عنه ، وألا يعبد به إلا بما شرع، والشاهد قولـه تعالى: ]قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ[ ولهذا يقول الشاعر :

تعصي الإله وأنت تزعم حبه

هذا لعمري في الخصال شنيع

لو كان حبك صادقاً لأطعته

إن المحب لمن يحب مطيع

      ولهذا من ادعى محبة الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يخالف أمره فهو كاذب في محبته .

2 – تصديق أخباره عليه الصلاة والسلام .

3 - الصلاة والسلام عليه حين ذكره، بأن يقول: صلى الله عليه وسلم ، ومن الجفاء عدم الصلاة عليه ؛ لأن الله أمرنا بذلك فقال في كتابه : ]إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً[  .

      والبخيل هو من ذكر عنده الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يصلِِ عليه، كما جاء في الحديث.

4 - نصر سنته عليه الصلاة والسلام والذب عن شريعته بكل ما يملك الإنسان ، من علم أو لسان أو قلم أو مال أو وجاهة ، وتكون هذه النصرة أيضاً بتعليم الدين للجاهل وتذكير الغافل .

5 - الدفاع عن شخصه عليه الصلاة والسلام بكل ما يملك المسلم من وسيلة في ذلك ، ولاسيما في هذا الزمان الذي تطاول فيه بعض المغرضين والطاعنين في الدين.

6 - محبة أصحابه وآل بيته رضوان الله عليهم، إذ هم الذين نشروا سنته، وهم الذين اصطفاهم الله سبحانه وتعالى وعدهم في كتابه العزيز ونهى صلى الله عليه وسلم عن مسبتهم . 



بحث عن بحث