الوقفة الأولى:

شرح مفردات الباب:

(الإيمان) في اللغة : التصديق .

واصطلاحاً: هو قول باللسان وعمل بالأركان واعتقاد بالجنان أي القلب . يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية.

(الصبر) في اللغة : الحبس .

واصطلاحاً : حبس النفس عن الجزع ، واللسان عن التشكي والتسخط والجوارح عن لطم الخدود وشق الجيوب .

(كفر): المقصود بالكفر هنا الكفر الأصغر وهو من كبائر الذنوب فهاتان الخصلتان كفر أصغر.

(الطعن في النسب): عيبها وتنقصها .

(النياحة على الميت) : رفع الصوت بالندب بتعديد شمائله لما في ذلك من التسخط على القدر .

(ضرب الخدود): المقصود التسخط على المصيبة بالضرب سواءً كان للخد أو غيره، وإنما ذكر الخد هو الذي في العادة يضرب .

(شق الجيوب): الجيب هو مدخل الرأس من الثوب .

(دعوى الجاهلية): هو كل ما ينافي التوحيد في الندب على الميت والنداء بالويل والثبور.

(إن عظم الجزاء مع عظم البلاء) : أي من كان ابتلاؤه أعظم كان جزاؤه أعظم .

(عجل لـه العقوبة في الدنيا): تنزل به المصائب لما صدر عنه من الذنوب فيخرج من الدنيا وليس عليه ذنب .

(أمسك عنه بذنبه) : أخر عنه عقوبة ذنبه .

(يوافي به) : يجيء يوم القيمة مستوفى الذنوب فيستوفي ما يستحقه من العقاب .

الوقفة الثانية:

أراد المصنف في هذا  الباب بيان وجوب الصبر على الأقدار وعدم التسخط منها؛ لأن ذلك ينافي كمال التوحيد، وقد قسم العلماء الصبر إلى ثلاثة أقسام :

الأول: الصبر على طاعة الله ؛ لأن الله أمر الناس بطاعته ففرض لهم فرائض وسن لهم سنناً تحتاج إلى الصبر والمجاهدة؛ كالصلاة والصيام والزكاة والحج والعمرة الخ .  وهذا القسم أعلا الأقسام وأفضلها .

الثاني: الصبر عن معصية الله؛ لأن كثيراً من المعاصي تهواها النفوس وتشتهيها لما يحصل فيها من اللذة العاجلة التي تنقلب إلى أمراض، لكن النفس تميل عادة إلى ما تشتهيه وإن كان فيه ضرر .

الثالث : الصبر على أقدار الله ، وهو الذي ذكره المصنف هنا؛ لأن الصبر على أقدار الله يحتاج إلى قوة في مقابل هذه المصائب، فتظهر هذه القوة بالصبر عن التشكي والتسخط وحبس الجوارح عن عمل ما ينافي الإيمان من لطم الخدود وشق الجيوب، لذلك خصه المصنف - رحمه الله - هنا.

الوقفة الثالثة :

الناس حال المصيبة على أربع مراتب:

الأولى : التسخط ، وهو إما أن يكون بالقلب كأن يسخط على ربه ويعترض على قدر الله عليه ، وقد يكون باللسان من الدعاء بالويل والثبور ورفع الصوت بالنياحة ، وقد يكون بالجوارح كلطم الخدود وشق الجيوب وغير ذلك . وكل هذا من الكبائر والعياذ بالله.

الثانية: الصبر فيحبس نفسه ولسانه وجوارحه لكنه يرى هذا الشيء ثقيلاً عليه ويكرهه لكنه يتحمله ويتصبر، فوقوعه وعدمه ليس سواء بل يكره لكن إيمانه يحميه من التسخط . وهذه المرتبة واجبة وهي الصبر والتصبر .

الثالثة : الرضا وهو أعلى من الصبر، وهو أن يكون الأمران عنده سواء بالنسبة لقضاء الله وقدره، فهو ينظر إليها باعتبارها قضاء لربه فهو راضٍ بها، وهذا الفرق بين الرضا والصبر .

الرابعة : الشكر وهو أعلى المراتب وذلك أن يشكر الله على ما أصابه من المصيبة حيث يرى أن هناك مصائب أعظم منها، وأن مصائب الدنيا أهون من مصائب الدين، وأن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة وأن هذه المصيبة سبب لتكفير السيئات وزيادة الحسنات وزيادة الإيمان كما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم: (ما يصيب المؤمن من نصب ولا وصب ولا هم ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها) .

وهذه الدرجة هي درجة الأنبياء كما ذكر الله تعالى عن الخليل عليه السلام : ]إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * شَاكِراً لَأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ[ الآية .

الوقفة الرابعة:

 إن للصبر على أقدار الله المؤلمة آثاراً إيجابية عظيمة منها:

1-   تكفير السيئات كما سبق في الحديث السابق .

2-   رفعة الدرجات.

3-   قوة الإيمان بالله سبحانه.

4-   الطمأنينة في هذه الحياة الدنيا.

استمرار الإنتاج في هذه الحياة مما يكفل عمارة الكون التي يتحقق بها الخلافة في الأرض وغيرها كثير. 



بحث عن بحث