الوقفة الأولى :

شرح مفردات الباب:

(جحد) : الجحد الإنكار .

(الأسماء) : جمع اسم، والاسم مأخوذ من السمو والرفعة، وقيل: العلامة، والمراد بالأسماء هنا أسماء الله التي تسمى بها .

(الصفات) : المراد بها هنا صفات الله التي اتصف بها .

(وهم يكفرون بالرحمن): أي كفار قريش يجحدون هذا الاسم لا المسمى، قال تعالى : ]وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ[.

(توكلت) : فوضت أموري كلها واعتمدت عليه .

(إليه متاب): أي مرجعي وتوبتي.

(انتفض) : أي اهتز جسمه وارتعد .

(رقة) : ليناً وقبولاً .

(محكمة): أي محكم القرآن، وهو ما وضح معناه فلم يلتبس على أحد .

(متشابهة): أي متشابه القرآن، وهو ما اشتبه وخفي معناه فلا يعلمه كثير من الناس. وإنما يعلمه العلماء.

الوقفة الثانية:

في هذا الباب بيَّن المصنف - رحمه الله - حكم من جحد شيئاً من أسماء الله وصفاته وأنه يكفر بذلك ، ولما كان التوحيد ثلاثة أنواع ؛ توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية وتوحيد الأسماء والصفات وكان الإيمان لا يحصل إلا بتحقيق هذه الثلاثة بيَّن حكم من جحد شيئاً من أسماء الله وصفاته .

والتفصيل في ذلك :

أن الجحد وهو الإنكار كما سبق نوعان:

الأول: إنكار تكذيب ، وهو أن ينكر اسماً من أسماء الله أو صفة من صفاته الثابتة في الكتاب والسنة؛ مثل أن يقول: إن الله غير سميع وإن الله غير بصير أو يقول: ليس لله يد أو أنه لم يستو على عرشه، فهذا كفر بإجماع المسلمين .

الثاني: إنكار تأويل: وهو أن لا ينكرها ولكن يتأولها إلى معنى يخالف ظاهرها، وهو نوعان:

أ - أن يكون للتأويل مسوغ في اللغة، فتكون للكلمة عدة معانٍ فيأخذ المعنى المرجوح، فهذا لا يوجب الكفر.

ب - أن لا يكون لـه مسوغ في اللغة فيأتي بمعنى من عنده قاصداً هذا المعنى فهذا مثل من جحد مكذباً ؛ لأنه في الحقيقة تكذيب، مثل أن يقول المراد بقوله تعالى : ]بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ[  المراد بيديه : السماوات والأرض فهذا كافر؛ لأنه نفاها مطلقاً فهو مكذب . 

الوقفة الثالثة :

بعد أن تبين لنا معنى الجحد وأنواعه نبين بعض القواعد والأمور المهمة في أسماء الله وصفاته :

أولاَ: أن أسماء الله أعلام وأوصاف وليست أعلاماً محضة، فهي من حيث دلالتها على ذات الله تعالى أعلام ومن حيث دلالتها على الصفة فهي تتضمن أوصافاً بخلاف أسماء الناس ، فالإنسان قد يسمي ابنه (صالح) ، دون أن يلحظ معنى الصفة ، قد يكون من أفسد الناس ، فاسم الشخص هنا علم ولا يشتق منه صفة ، بخلاف أسماء الله ؛ لأنها متضمنة للمعاني ، فالله هو العلي لعلو ذاته وصفاته، و(الرحيم) يدل على رحمته، و(العزيز) يدل على العزة وهكذا .

ثانياً: أسماء الله مترادفة من حيث دلالتها على ذات الله جل وعلا ومتباينة من حيث المعنى ، فالمترادف ما اختلف لفظه واتفق معناه .

فمترادفة لأنها تدل على مسمى واحد، فالرحمن الرحيم السميع البصير العليم هذه كلها تدل على الذات، ومتباينة باعتبار المعنى؛ لأن معنى (الرحيم) غير معنى (العليم) وغير معنى (الحكيم) وهكذا .

ثالثاً: صفات الله تنقسم إلى ثلاثة أقسام :

1 - صفات ذاتية يعني ملازمة لذات الله عز وجل، وهي التي لم يزل ولا يزال متصفاً بها مثل السمع والبصر .

2 - صفات فعلية وهي التي تتعلق بفعله ومشيئته إن شاء فعلها وإن شاء لم يفعلها؛ مثل النزول إلى السماء الدنيا والاستواء على العرش وغير ذلك .

3 - صفات خبرية، وهي أبعاض وأجزاء بالنسبة لنا، أما بالنسبة إلى الله فلا يقال هكذا بل يقال صفات خبرية ثبت بها الخبر من الكتاب والسنة، وهي ليست معنى ولا فعلاً مثل الوجه واليد والعين .

رابعاً : أن صفات الله سبحانه يوصف بها حقيقة مثل ما وصف الله به نفسه فهي على حقيقتها، فإذا وصف الله سبحانه بالسمع والبصر وبالعلم والقدرة واتصف بالنزول إلى السماء الدنيا وبالاستواء على العرش هذه صفات حقيقية ، لكن ننزه الله سبحانه عن التمثيل والتكييف، فلا نقول: كيف سمع الله؟ وهل هو مثل سمع المخلوقين ؟ وكيف بصر الله؟ وهل هو مثل بصر المخلوقين؟ لأننا لا ندرك الكيفية؛ لذلك قال الإمام مالك فيمن سأله عن الاستواء قال: الاستواء معلوم ، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، يعني السؤال عن الكيفية، لذلك قال سبحانه : ]لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ     الْبَصِيرُ[   .

الوقفة الرابعة :

1 - يعتقد كثير من الناس أن أسماء الله سبحانه محصورة وأن لله تسعة وتسعين اسماً، والصحيح أن أسماء الله سبحانه ليست محصورة ولا محدودة بعدد معين .

والدليل على ذلك قولـه صلى الله عليه وسلم في حديث ابن مسعود رضي الله عنه : (اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك ... أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحداً من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك)  .

وما استأثر به في علم الغيب لا يمكن أن يعلم به، وما ليس بمعلوم ليس بمحصور.

وأما قولـه صلى الله عليه وسلم : (إن لله تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة)   فليس معناه أنه ليس لـه إلا هذه الأسماء، لكن معناه أن من أحصى من أسمائه هذه التسعة والتسعين فإنه يدخل الجنة ، مثل من قال: عندي عشرة كتب أعددتها في الصلاة فليس معناه أنه ليس عنده إلا هذه العشرة، بل معناه أن هذه العشرة معدة لهذا لا غير .

2 - غفلة كثير من الناس عن التعبد والدعاء بأسماء الله وصفاته والاتجاه لغير الله سبحانه وتعالى ، فيقول للطبيب: يا طبيب اشفني، ويقول للساحر: يا ساحر أنت تعلم الغيب فارزقني، ولا يعلم أن الله هو الشافي وهو الرزاق وهو علام الغيوب، فهذا جحد عملي للتعبد بأسماء الله وصفاته ، فإذا عرف الإنسان أسماء الله وصفاته تعبد الله بها فيقول لله سبحانه: يا رحيم ارحمني ويا عليم علمني ويا رزاق ارزقني وهكذا . 



بحث عن بحث