الوقفة الأولى:

شرح مفردات الباب:

(ومن أظلم): أي لا أحد أظلم.

(يخلق كخلقي): لأن المصور لما صور الصور على شكل ما خلقه الله تعالى من إنسان أو بهيمة صار مضاهياً لخلق الله .

(فليخلقوا) : تعجيز لهم وتحدي.

(الذرة) : النملة الصغيرة.

(حبة) : حبة حنطة فيها طعم تؤكل وتزرع .

(يضاهئون بخلق الله): أي يشابهون بما يصنعون مخلوقات الله.

(مشرفاً) : أي عالياً.

(إلا سويته): أي جعلته مساوياً للأرض.

الوقفة الثانية:

قال المصنف - رحمه الله - "باب ما جاء في المصورين" ومقصوده ما جاء فيهم من الوعيد الشديد والتهديد الأكيد؛ لأنه نقل - رحمه الله - هذه النصوص والأحاديث التي تبين عقوبة المصورين.

ومناسبة هذا الباب لكتاب التوحيد : لما كان التصوير وسيلة من وسائل الشرك وأن المصور يضاهي خلق الله تعالى، وهذا بلا شك خلل في التوحيد ناسب أن يعقد هذا الباب ليبين تحريمه وما جاء فيه من الوعيد الشديد .

الوقفة الثالثة:

نستفيد من هذه الأحاديث تحريم التصوير لما فيه من مضاهاة لخلق الله سبحانه وتعالى، ولكن كلمة التصوير تحتاج إلى شيء من البيان، فالتصوير المقصود فيه عدة أنواع:

النوع الأول: ما يسمى بالتماثيل، وهي التماثيل المجسمة التي تكون كهيئة شخص أو حيوان وعملها.

النوع الثاني: الرسم باليد، فالذي يرسم شخصاً من الناس فهو مصور لـه .

النوع الثالث: آلات التصوير الحديثة، وهل هي من التصوير؟ سيأتي بيانه إن شاء الله، هذا من ناحية المقصود بالتصوير .

أما من ناحية حكمه فهو على أنواع:

النوع الأول: التصوير لما ليس لـه روح؛ مثل الأشجار والأنهار والبيوت والجبال وغير ذلك . فهذا فلا خلاف في جوازه سواء كان هذا بالتمثيل أو بالرسم أو على صورة الآلات الحديثة.

النوع الثاني: ما كان التصوير لما فيه روح مثل بني آدم والحيوانات وغير ذلك، وهذا فيه تفصيل.

أولاً: التماثيل كأن يجعل تمثالاً على صورة رجل أو حيوان أو غير ذلك، فهذا لا خلاف بين أهل العلم على تحريمه، وتنطبق عليه النصوص الواردة في هذا الباب .

ثانياً: الرسم باليد كأن يرسم صورة إنسان أو حيوان، فهذا محرم أيضاً وتنطبق عليه النصوص الواردة في هذا الباب . لأن المصور حاول مضاهاة خلق الله تعالى بيده.

ثالثاً: وهو التصوير بالآلات الحديثة؛ كالتصوير الفتوغرافي  فهذا فيه خلاف بين العلماء المعاصرين : فمنهم من جعله صورة وطبق عليه النصوص الواردة فقال: إن حقيقة هذا الأمر هو الصورة ففيه الوعيد الشديد الذي جاء في التصوير، ولا يجوز إلا للضرورة.

ومنهم من قال: لا ينطبق معنى الصورة عليه وإنما هو انعكاس للحقيقة، فهذا التصوير الذي في الآلة إنما هو انعكاس لحقيقة الشخص، فلو أن إنساناً نظر إلى شخص في المرآة فهذا لا يقال: إنه نظر إلى صورة فلان وإنما يقال هذا فلان ، هذا مثل كاميرات التصوير الفوتوغرافية والفيديو وغيرها.

ومنهم من فرق بين ما هو متحرك وبين ما هو ثابت ، فما كان متحركاً لم يجعله صورة لأنه يقول : هذا الذي يتحرك هو فلان ليس صورته. أما غير المتحرك فيجعله صورة لأنه يقال هذه صورة فلان .

وبناءً على الخلاف في الحقيقة اختلفوا في الحكم :

فالذين قالوا : إنه صورة كما هي التسمية الشائعة قالوا: هي حرام وتنطبق عليها النصوص كما سبق .

أما من ذهب إلى أن حقيقته ليست بصورة إنما الحقيقة هو بذاته وقاس ذلك على من يرى شخصاً في المرآة قال: إن حقيقته انعكاس وليست صورة فليس بحرام.

الوقفة الرابعة:

بعد التفصيل في حكم التصوير بالكاميرات الفوتوغرافية والفيديو يبقى أن نقول: إن العلماء اتفقوا سواء من قال بالتحريم أو بعدمه على:

أولاً: أنه إذا كان هذا التصوير للتعظيم فلا خلاف بينهم أنه محرم ، والتحريم هنا جاء من التعظيم؛ كما في قصة قوم نوح الذين طال عليهم الأمر حتى عبدوها .

ثانياً: إذا كان هناك حاجة للتصوير مثل صور البطاقات والجوازات وما يعرف به شخصية الإنسان فهذا لا خلاف في جوازه للحاجة.

ثالثاً: إذا اتخذت الصورة للإهانة مثل صورة حيوان وضعت في سجادة على الأرض فهذه تنتقل من الحرمة للكراهة لأنها صورة مهانة، كما قلت في الصورة المعظمة إنها محرمة فالصورة المهانة تجوز .

الوقفة الخامسة:

يشكل على كثير من الناس (لعب الأطفال) وهل هي داخلة في التصوير المحرم أو لا؟ فنقول هي أنواع:

أولاً: ما كان على شكل صورة مثل ما يعمل بالقطن صورة رأس لكن ليس فيه عين ولا أنف ولا فم فهذه جائزة .

ثانياً : ما يتخذ تمثالاً وإن كان من لعب الأطفال فهذه محرمة لا لأنها صورة وإنما لمضاهاة ومشابهة خلق الله، فتجد الطفل يعظمها ويجعلها في أفضل الأماكن ويكرمها فهذه محرمة. ومثله ما يوضع في المحلات التجارية ونحوها.



بحث عن بحث