الوقفة الأولى:

شرح مفردات الباب:

(الغلول): هو أن يأخذ شيئاً من الغنيمة ولا يخبر بذلك.

(الغدر): الخيانة.

(ولا تمثلوا): التمثيل التشويه إما بقطع الأعضاء كالأنف وفقع العين ونحو ذلك.

(وليدا): الطفل الذي لم يبلغ.

(الغنيمة) : التي تغنم من الكفار.

(الفيء): هو ما يصرفه إلى بيت المال.

الوقفة الثانية:

الذمة: المقصود بها : العهد وسمي بذلك لأن الملتزم به يلتزم بهذا العهد كما يلتزم صاحب الدين بدينه الذي في ذمته. ولله جل وعلا عهد على الناس وهو عبادته سبحانه وتعالى كما جاء ذلك في آيات كثيرة، ويسمى بالذمة وبالعهد، ويسمى أيضاً تسميات أخرى. من ذلك ]وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ[  .  

ولذلك قال جل وعلا : ]وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا[ فالله سبحانه وتعالى لـه عهد على خلقه، أما العهد بين الناس فما يكون بين المتعاقدين في العهود، كما جرى في تاريخ النبي صلى الله عليه وسلمفي صلح الحديـبية مع المشركين ومع غيره .

وعلاقة هذا الباب بكتاب التوحيد: أن عدم الوفاء بعهد الله جل وعلا لا شك أنه تنقص لـه . وهذا مخِلّ بالتوحيد بحسب نوع العهد الذي أخل به هذا الإنسان.

الوقفة الثالثة:

في حديث بريدة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلمإذا أمَّر أميراً على جيش أو سرية أوصاه بتقوى الله، وهذه الجملة من أعظم الجمل التي ينبغي لكل موظف ومسئول أن يتنبه لها، ليس في الحرب فقط أو لقادة الحرب والسرايا فقط وإنما لكل مؤتمن، وكل موظف مؤتمن.

قال : (أوصاه بتقوى الله): وهذه من أهم عناصر نجاح الموظف في وظيفته أن يتقي الله سبحانه وتعالى في عمله الذي وكله إليه، وفيمن تحت يده فيتقي الله فيهم. قال: (ومن معه من المسلمين خيرا) فمعنى ذلك أن عليه أن يعدل بينهم أنه لا يظلمهم وأن لا يتعدى عليهم ولا يحملهم مالا يطيقون، ولا يزيد عليهم في الأعمال وهي لم تطلب منهم، ولا يستغلهم لخدمة نفسه إلى غير ذلك.

قال: (فقال: اغزوا باسم الله): هذا فيه إشارة إلى أن الغزو أو الجهاد يكون لله، أما إذا كان لأمر دنيوي فهذا خرج عن المعنى المراد إلى معنى دنيوي، و(في سبيل الله) تأكيد على مسألة النية أن تكون لله عز وجل، ثم قال: (قاتلوا من كفر بالله) : فالقتال لله عز وجل وليس لحمية ولا لعصيبة ولا لتفاضل في أمر دنيوي، إنما من كفر بالله..

يقول: (اغزوا ولا تغلوا) : الغلول: أن يأخذ شيئاً من الغنيمة ولا يخبر بذلك،
وهذا من كبائر الذنوب؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول:
]وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ[  

الوقفة الرابعة:

الخصال الواردة في حديث بريدة

(وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال أو خلال فأيهم أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم ثم ادعهم إلى الإسلام ) هنا انتقال من الوصايا العامة إلى التطبيق العملي.

الخصلة الأولى: إذا تقابل المسلمون مع المشركين فالدعوة تكون أولاً لأنها هي المقصود من الجهاد، وليس المقصود تعذيب أولئك القوم أو تيتيم أطفالهم أو ترمل نسائهم إنما المقصود هو الدعوة إلى هذا الدين، فإن استجابوا للدعوة إلى هذا الدين فهذا هو المطلوب وحصلت الغاية.

الخصلة الثانية: (فإن هم أبوا) : امتنعوا يعني إن أبو عن الإسلام فاطلب منهم الجزية.

والجزية : هي ما يكون مقابل الأمان وعدم الاعتداء عليهم والتعدي عليهم، فيدفعون هذا المال عوضاً عن حماية المسلمين لهم وإقامتهم في ديارهم. فإن هم بذلوا الجزية فلهم ذلك واقبل منهم وكُفَّ عنهم.

الخصلة الثالثة: إن امتنعوا عن الإسلام وعن دفع الجزية فاستعن بالله وقاتلهم لأنهم كانوا محاربين حينئذ، وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه فلا تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه ولكن اجعل لهم ذمتك وذمة أصحابك؛ فإنكم إن تخفروا ذمتكم وذمة أصحابكم أهون من أن تخفروا ذمة الله وذمة نبيه؛ لأنه لا قدر الله لو حصل غدر لا يحصل بسبب عهد الله وعهد نبيه وإنما يكون العهد الشخصي الذي بين الناس. فكذلك إذا أرادوك أن تنزلهم على حكم الله فلا تنزلهم على حكم الله وإنما أنزلهم على ما تفهم أنت من حكم الله عز وجل؛ فإنك لا تدري أتصيب فيهم حكم الله أم لا.

هذا الكلام قبل أن ينقطع الوحي لكن لما انقطع الوحي فينزلون على حكم الله؛ لأن حكم الله استقر بعد انتهاء الوحي وبعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم. فنفهم من هذا - وهذا الشاهد-: عظم أمر العهد والالتزام به وعدم نقضه . 



بحث عن بحث