الحمد لله الذي فرض الحج إلى بيته الحرام، أحمده وأشكره على نعمه وآلائه العظام، وأصلي وأسلم على أفضل من صلّى وزكى وحجّ وصام، وعلى آله وأصحابه البررة الكرام، وعلى التابعين ومن تبعهم بإحسان، واقتفى أثرهم، واتبع نهجهم إلى يوم يبعث الأنام، أما بعد:

فإن من فضل الله سبحانه وتعالى على هذه الأمة المحمدية أن جعل التكاليف الشرعية منطلقة من منطلقات يقينية ثابتة، ومتوجهة إلى تحقيق أهداف محددة واضحة، ومن هذه التكاليف العظيمة الحج إلى بيت الله الحرام، تلك العبادة الفردية في أدائها، الجماعية في مظهرها ومكانها وزمانها، ومهما كتب الكاتبون، وتحدث المتحدثون عن هذه الشعيرة الجليلة التي يظهر من خلالها عظمة هذا الدين فلن يوفوها حقها، ولذا تعددت الكتابات وتنوعت، من مُظهرٍ أحكامَ هذه الشعيرة ومُرَكِّزٍ عليها، إلى مستطرد في منافع الحج الدنيوية والأخروية وباسط فيها، ومن مبيِّن فضلها وآثارها إلى موضِّح تاريخها وعلاقتها بالبيت الحرام، إلى غير ذلك من الكتابات النفيسة العظيمة، غير أني لم أجد من أفرد بالكتابة علاقة هذا الحج العظيم بتوحيد الله سبحانه وتعالى، ودلالة هذا الحج عليه ومؤداه إليه، وعند تأملي لآيات الحج وجدت أن هناك رابطًا عظيمًا بين التوحيد ونفي الشرك وبين الحج، مثل قوله تعالى: ﴿ وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ﴾، وقوله تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ﴾، فدعاني هذا إلى مزيد التأمل والنظر؛ حتى وصلت إلى قناعة تامة بأن الحج إلى بيت الله الحرام بجميع أقواله وأعماله وشعائره ـ كأي عبادة أخرى ـ تنطلق من «لا إله إلا الله» لتحقق تعميق «لا إله إلا الله» في النفوس بجلاء ووضوح، ابتداء من إقامة بيت الله الحرام وبناء الكعبة المشرفة، ثم تشريع الحج إلى هذا البيت العظيم، وهكذا في كل أقوال الحج وأعماله.

فجاءت هذه الكلمات موضحة هذا المعنى الكبير، فلعل الحاج الكريم وقد وفد إلى هذا البيت العظيم، باذلًا جهده وماله، تاركًا أهله ودياره، متحملًا المشاق والتعب، مستجيبًا لنداء ربه ومولاه، طامعًا في رجائه، خائفًا من عذابه، أقول: لعله أن يجدد علاقته بربه وهو يؤدي هذه العبادة، ويعمق ثقته فيه، ويزيد في توحيده وهو يعلن: «لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك» ويردد بصوت عال: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير» متأملًا فيما يردده ويقوله ويعلي صوته فيه.

فهذه الكلمات مذكرة بهذا المعنى، فأدعو كل مسلم بعامة، وكل حاج بخاصة، لتأمل هذه الشعيرة العظيمة ليخرج بهذه الثمار اليانعة.

ولمزيد من التوضيح فقد جعلتها في وقفات، كل وقفة تظهر معنى من المعاني في الحج ودلالته على توحيد الله تعالى، متوخيًا عدم الإطالة، مع شيء من التوضيح والبيان، مستدلًا لما يحتاج إلى استدلال، أسأل الله تعالى أن يرزقنا الإخلاص في الأقوال والأعمال، وأن يتقبل من الحجاج حجهم، وأن يعود الجميع بحج مقبول وسعي مشكور وذنب مغفور، وأن يجعل هذه الكلمات من المدخرات في الحياة وبعد الممات إنه سميع قريب مجيب.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم إلى يوم الدين.

وكتبه

فـالح بـن محمـد بـن فالح الصغير

الرياض 1424هـ

ص. ب 41961 الرياض 11531

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.



بحث عن بحث