الحج حقيقته وتاريخه

الحج لغة: هو القصد والزيارة.

وهو اصطلاحًا: قصد بيت الله الحرام في زمن مخصوص لأداء أعمال مخصوصة، وهي الطوف والسعي والوقوف بعرفة والمبيت بمزدلفة والمبيت بمنى ورمي الجمار والحلق أو التقصير.

والحج فرض على كل مسلم مستطيع في العمر مرة واحدة لقوله تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ.

وهو ركن من أركان الإسلام لقوله عليه الصلاة والسلام: «الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلًا».

ومن ينكر وجوب الحج فهو كافر، كالمنكر لفرضية الصلاة  أو الصيام أو الزكاة، قال تعالى: ﴿ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ﴾.

وهذا الركن فرض على الناس منذ عهد نبينا إبراهيم عليه السلام بعد أن أقام البيت مع ابنه إسماعيل عليه السلام، فكان ذلك النداء الرباني الأول بأمر الله تعالى خليله بأن يؤذن في الناس أن يأتوا لهذا البيت ويذكروا الله فيه ويعظموا شعائره وحرماته. فقال جل شأنه: ﴿ وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ  ﴾.

وبقي الناس من ذلك الوقت إلى عهد النبوة المحمدية يحجون إلى بيت الله الحرام، ولكنهم لم يبقوا على ما كان عليه إبراهيم عليه السلام والنبيون من بعده، فخلطوا أداء هذا النسك العظيم بطقوس دخيلة وانحرافات عقدية، فمزجوا الطيب بالخبيث، والصالح بالفاسد، وعندما بعث الله خاتم الأنبياء والرسل محمدًا  صلى الله عليه وسلم  كان الشرك في أوجه، فقد تحولت هذه العبادة حينها إلى عبادة شركية خالصة، يتوجه فيها الناس بالدعاء والتوسل إلى الأصنام والأوثان، وقد وصل عدد هذه الأصنام والتماثيل ما يقرب من ثلاث مئة وستين صنمًا في بيت الله المحرم، حتى بلغ بهم الانحراف إلى الطواف بالبيت حفاةً عراةً، يصفقون ويصفرون، يقول جل شأنه في حالتهم هذه ﴿ وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ  ﴾.

وبالرغم من هذه الانحرافات العقدية وهذه السلوكيات الشركية، إلا أنهم كانوا يقدرون حرمة هذا البيت وعظمته، فلم يكونوا يقاتلون فيه وإنما كان قتالهم خارجه، حتى إن الرجل ليرى قاتل أبيه في البيت فلا يقتله، لعظم حرمة البيت في نفوسهم، إلى أن جاءت الرسالة الإسلامية الخاتمة على يد محمد صلى الله عليه وسلم ، فأنكرت ما يفعله المشركون وأنكرت عليهم أصنامهم وأوثانهم، ودعتهم إلى توحيد الله تعالى وإخلاص العبادة له، ونبذ كل ما هو لغير هذا الخالق من ذكر أو عبادة أو ذبح أو غير ذلك.

وسميت سورة في القرآن الكريم بسورة الحج لعظم شأن هذا النسك وأهميته، وقد بين لنا الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام مكانة الحج بين العبادات الأخرى، وعدّه أفضل الأعمال بعد الإيمان بالله والجهاد في سبيله، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أفضل؟ قال: «إيمان بالله ورسوله»، قيل: ثم ماذا؟ قال: «ثم جهاد في سبيل الله»، قيل: ثم ماذا؟ قال: «حج مبرور».

وعن عائشة ك أنها قالت: يا رسول الله نرى الجهاد أفضل العمل أفلا نجاهد؟ قال: «لا، لكن أفضل الجهاد حج مبرور».

وإن كثيرًا من أفعال الحج تتمركز في البيت الحرام الذي هو أول بيت وضع لعبادة الله في أرض الله، وإقامة شعيرة الحج فيها، لقوله تعالى: ﴿ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ ﴿96 فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا ﴾.

وهناك مشاعر أخرى غير الكعبة لابد للحاج أن يزورها ويبيت بها ويصلي فيها، لإتمام حجه، ومن أهم هذه الأماكن والبقاع «عرفات» وهو أهم ركن في الحج، ولا يقبل الحج من دونه، لقول النبي  صلى الله عليه وسلم : «الحج عرفة»، وكذلك مزدلفة ومنى والمسجد الحرام، بما فيها الكعبة المشرفة والحجر الأسود ومقام إبراهيم، وغيرها.

وكلها مواضع لتوحيد الله تعالى وإقامة ذكره وتعظيم شعائره، وهي تدل على مدى استقامة الزائر والمقيم وصدق تقواه لقول الباري عز وجل: ﴿ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ. وقوله: ﴿ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ ﴾.

والحج ليس رحلة لعادة موروثة أو اندفاع لهوى جامح،       أو وثنية قديمة كما قال بعض المستشرقين الذين أرادوا أن يشككوا في كل شيء من هذا الدين، متجاهلين ما كانت عليه الجاهلية قبل الإسلام في أمور الحج وغيرها من المظالم والشركيات، وكيف ربط الإسلام فكر الإنسان بخالق الكون الحقيقي، عن طريق محمد  صلى الله عليه وسلم .

وإنما الحج في حقيقته هو امتثال لأمر الله تعالى في تنقله بين المشاعر المقدسة، بين منى وعرفات ومزدلفة والبيت الحرام، وكل ذلك وفق برنامج دقيق ومرسوم من رسول الله  صلى الله عليه وسلم ، فليس له أن يتجاوز الخطوط العريضة لهذا البرنامج وهذه الخطة، فإنه إن فعل ذلك يحدث خللًا في النسك، ويدخل فيه ما ليس منه، ويفتح بابًا للخروج من قول الرسول  صلى الله عليه وسلم : «خذوا مناسككم»، وكل ذلك عبارة عن إعادة وتجديد لحياة إبراهيم عليه السلام، الذي انتقل في أرض الله كثيرًا إلى أن جاءه أمر ربه ببناء هذا البيت  الذي سيكون له شأن عظيم في مستقبل الأمة وتاريخها وحضارتها.

وإذا كان الحج لإقامة ذكر الله وإحياء توحيده؛ فإن هذه الوقفات كلها تجلية لتوحيد الله في الحج، جعلنا الله كذلك.



بحث عن بحث