إخلاص النية أساس القبول:

إن أي عمل يقوم به المسلم في الحياة - فضلًا عن الدعوة إلى الله - لا يكون مقبولًا عند الله عز وجل، ولا يكتب في سجل الحسنات إلا إذا أقيم على ركنين – بعد الإيمان بالله -:

أولهما: الإخلاص، وتصحيح النية.

وثانيهما: موافقة السنة ومنهاج الشرع.

وبالركن الأول تتحقق صحة الباطن وبالثاني تتحقق صحة الظاهر، وقد جاء في الركن الأول قوله  صلى الله عليه وسلم : «إنما الأعمال بالنيات»، فهذا هو ميزان الباطن، وجاء في الركن الثاني قوله  صلى الله عليه وسلم : «من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد»، أي: مردود على صاحبه، وهذا ميزان الظاهر.

وقد جمع الله الركنين في أكثر من آية في كتابه الكريم، قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى ﴾ [لقمان: 22]، وقال تعالى: ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ ﴾ [النساء: 125].

وإسلام الوجه لله: إخلاص القصد والعمل له.. والإحسان فيه أداؤه على الصورة المرضية شرعًا، ومتابعة رسول الله  صلى الله عليه وسلم  وسنته.

قال الفضيل بن عياض: «إن العمل إذا كان خالصًا ولم يكن صوابًا لم يقبل، وإذا كان صوابًا ولم يكن خالصًا لم يقبل، حتى يكون خالصًا صوابًا، والخالص: أن يكون لله، والصواب: أن يكون على السنة... ثم قرأ الفضيل قوله تعالى: ﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 110].

وقال ابن مسعود رضي الله عنه : «لا ينفع قول إلا بعمل، ولا ينفع قول وعمل إلا بنية، ولا ينفع قول وعمل ونية إلا بما يوافق السنة».

وبذلك يتبين مدى حاجة الأعمال الظاهرة إلى النيات، فالعبادات التي تخلو من النية لا قيمة لها أبدًا، كالعبادات التي يؤديها المرء نسيانًا أو سهوًا، أو هو نائم، أو غافل.

والعبادات التي تنبعث بنية غير صادقة لا تعتبر باطلة فحسب، بل يعاقب صاحبها بسبب قصده الفاسد.

فالعبادات التي يقوم بها المراؤون والمنافقون وعباد الدينار والدرهم وزرها عظيم، وحسابها شديد، يقول تعالى: ﴿ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا ﴾ [الفرقان: 23].

ولذلك رتب الرسول  صلى الله عليه وسلم  الثواب والمغفرة في أكثر من عمل على القيام بالأعمال بنية صالحة، منها على سبيل المثال قوله  صلى الله عليه وسلم : «من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه».

وقوله  صلى الله عليه وسلم : «من اتبع جنازة مسلم إيمانًا واحتسابًا وكان معه حتى يصلي عليها ويفرغ من دفنها فإنه يرجع من الأجر بقيراطين، كل قيراط مثل أحد...».

وقوله  صلى الله عليه وسلم : «من احتبس فرسًا في سبيل الله إيمانًا بالله وتصديقًا بوعده فإن شبعه وريه وروثه وبوله في ميزانه يوم القيامة».

فهذه أعمال متنوعة وغيرها كثير، الأجر متوقف فيها على صدق النية وسلامة المقصد، ومما يدل على ذلك صراحة قوله  صلى الله عليه وسلم : «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى».

ذلك أن النية رأس الأمر وعموده وأساسه واصله الذي عليه يبنى، فإنها روح العمل وقائده وسائقه والعمل تابع لها يبنى عليها، يصح بصحتها، ويفسد بفسادها، وبها يستجلب التوفيق، ويعدمها الخذلان، وبحسبها تتفاوت الدرجات في الدنيا والآخرة، فكم بين مريد بالفتوى وجه الله ورضاه والقرب منه وما عنده، ومريد بها وجه المخلوق ورجاء منفعته وما يناله منه تخويفًا أو طعمًا فيفتي الرجلان بالفتوى الواحدة، وبينهما في الفضل والثواب أعظم مما بين المشرق والمغرب، هذا يفتى لتكون كلمة الله هي العليا ودينه هو الظاهر، ورسوله هو المطاع، وهذا يفتى ليكون قوله هو المسموع، وهو المشار إليه، وجاهه هو القائم، سواء وافق الكتاب والسنة أو خالفهما، فالله المستعان.

وقد جرت عادة الله التي لا تبدل، وسنته التي لا تحول، أن يلبس المخلص من المهابة والنور والمحبة في قلوب الخلق وإقبال قلوبهم إليه ما هو بحسب إخلاصه ونيته ومعاملته لربه، ويلبس المرائي اللابس ثوبي الزور من المقت والمهانة والبغضة ما هو لائق به، فالمخلص له المهابة والمحبة، وللآخر المقت والبغضاء).



بحث عن بحث