مشروعية وسائل الدعوة:

اتخاذ وسائل الدعوة أمر مشروع بالكتاب والسنة والإجماع والمعقول، وإيضاح ذلك بإيجاز على النحو التالي:

أ- فمن القرآن الكريم:

نجد أن القرآن الكريم تضمن العديد من الوسائل الدعوية ومن ذلك قوله تعالى: ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ [النحل: 125].

وقوله سبحانه: ﴿ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ [إبراهيم: 25]، وقوله عز من قائل: ﴿ فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ﴾ [طه : 44]، وقوله جل شأنه: ﴿ فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ[الأعراف: 176].

ب- ومن السنة النبوية:

المتأمل في سنة النبي  صلى الله عليه وسلم  وسيرته ودعوته للناس جميعًا يجد أنها قد حفلت بالعديد من الوسائل الدعوية، كالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن، والقصص وضرب الأمثال، وتأليف القلوب، والهدية، والترغيب والترهيب، والجهاد في سبيل الله، وإرسال الكتب والرسائل إلى الناس، واستقبال الوفود، والقدوة الحسنة وغير ذلك من الوسائل المتعددة، سواء كانت مادية أم معنوية، فمن ذلك استخدامه  صلى الله عليه وسلم  الرسم على الرمل كوسيلة إيضاح، فعن ابن مسعود رضي الله عنه  قال: «خطَّ لنا رسول الله  صلى الله عليه وسلم  خطا وخط خطوطًا أخرى عن يمينه...» الحديث.

وعن ابن مسعود رضي الله عنه  أيضًا قال: «خط النبي  صلى الله عليه وسلم  خطا مربعًا، وخط خطًا في الوسط خارجًا منه، وخط خططًا صغارًا إلى هذا الذي في الوسط من جانبه الذي في الوسط»، وقال: «هذا الإنسان وهذا أجله محيط به أو قد أحاط به- وهذا الذي هو خارج أمله، وهذه الخطوط الصغار الأعراض، فإن أخطأ هذا نهشه هذا، وإن أخطأ هذا نهشه هذا».

واستخدم رسول الله  صلى الله عليه وسلم  الجدي الميت وسيلة توضيحية لخطابه الدعوي، فعن جابر أن رسول الله  صلى الله عليه وسلم  مر بالسوق، داخلًا من بعض العالية والناس كنفته، فمر بجدي أسك ميت، فتناوله فأخذ بأذنه، ثم قال: «أيكم يحب أن هذا له بدرهم؟»، فقالوا: ما نحب أنه لنا بشيء، وما نصنع به؟ قال: «أتحبون أنه لكم؟» فقالوا: والله لو كان حيًا كان عيبًا فيه لأنه آسك، فكيف وهو ميت؟، فقال: «فو الله للدنيا أهون على الله من هذا عليكم» ثم رماه.

واستخدم رسول الله  صلى الله عليه وسلم  صوت ربيعة بن أمية بن خلف، وسيلة لإسماع الناس في الحج.

كما اتخذ رسول الله  صلى الله عليه وسلم  المنبر وصعد على جذع النخلة عند الخطبة فعن عمر رضي الله عنه  قال: «كان النبي  صلى الله عليه وسلم  يخطب إلى جذع فلما اتخذ المنبر تحول إليه فحن الجذع فأتاه فمسح يده عليه».

وبالجملة، فقد كان  صلى الله عليه وسلم  المثل الكامل في استعمال جميع الوسائل الدعوية الممكنة والمناسبة للناس، مع وفرة خلقه وحلمه وعفوه وصفحه ورأفته بالمؤمنين، وتأسيهم به، قال تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب : 21].

ج -ومن الإجماع:

إن المتتبع لمسيرة منهج الدعوة الإسلامية في تاريخه الطويل يجد أن الأمة الإسلامية وفي مقدمتها سلف الأمة الصالح قد أجمعت على الأخذ بوسائل الدعوة المشروعة والنافعة للناس، في كل زمان ومكان، والتي فيها خير وإعزاز لأهل الحق والإيمان، وإيصال كلمة الإسلام إلى جميع الأمم والشعوب. وهذا الإجماع إجماع عملي في الأخذ بالوسائل المشروعة، وأشرت إليه هنا لتقوية عناصر الاستدلال كما هو منهج أهل العلم.

د -ومن المعقول:

نجد أن الدعوة الإسلامية لا تقوم بذاتها، بل لا بد لها من وسائل تقوم بإيصالها للناس، ولا يختلف اثنان على هذا الأمر، بل إن العقل الصحيح يستدعي استعمال الوسائل المفيدة لنشر الدعوة، قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴾ [القصص: 51]، ولا شك أن العقل الصحيح لا يخالف النص الصريح.



بحث عن بحث