البدء بالتوحيد أساس الدعوات جميعًا:

العقيدة هي أساس هذا الدين والشريعة هي البناء، ولا بناء من غير أساس، ولا عمل من غير توحيد وإخلاص، قال تعالى: ﴿ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا ﴾ [الفرقان: 23].

وقال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ ﴾ [الزمر: 65].

وقد كانت الدعوة إلى التوحيد عند الرسل جميعًا – عليهم الصلاة والسلام - هي أولى الأولويات، وأهم المهمات وكلهم كان نداؤهم:            ﴿ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ﴾ [هود:50]، ومن منطلق العقيدة والإيمان سعوًا إلى علاج الانحرافات الواقعة في مجتمعاتهم كل بحسبه.

فموسى عليه السلام عالج الطغيان السياسي الفرعوني وما ترتب عليه من إذلال الناس واستعبادهم على أساس الإيمان.

ولوط عليه السلام عالج الانحراف الخلقي والشذوذ الجنسي في قومه على أساس الإيمان، وشعيب عليه السلام عالج الانحراف الاقتصادي وأكل أموال الناس بالباطل على أساس العقيدة والتوحيد، وهكذا سائر الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام.

ولقد كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في دعوته إلى هذا الدين يدعو أولًا إلى الإيمان والتوحيد حتى ينمو بناء الإيمان، فإذا قام البناء قويًا بأركانه سهل بعد ذلك إكماله.

روى البخاري من حديث ابن عباس م قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ ابن جبل حين بعثه إلى اليمن: «إنك ستأتي قومًا أهل كتاب، فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، فإن هم أطاعوا لك بذلك فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينه وبين الله حجاب».

والدعاة عليهم أن يسلكوا سبيل رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدعوة وأن يتقنوا أثره بادئين بالأهم فالمهم.

يقول فضيلة الشيخ صالح الفوزان: «فالتدرج في الدعوة معناه: الإتيان بالأهم فالأهم. وذلك بأن يبدأ أول شيء بالتوحيد: دعوة الناس إلى التوحيد وعبادة الله وحده ، لأن هذا هو الأساس».

وهذا الأمر ينبغي أن يفهم فهمًا صحيحًا، وأن يطبق تطبيقًا سليمًا من غير إفراط ولا تفريط، فالمراد بالبدء بالعقيدة التركيز على أصولها وأركانها وهو ما يجب على المكلف اعتقاده، إذ يجب عليه «أن يؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره»، وما أمر به الرسول ونهى، بحيث يقر بجميع ما أخبر به، وما أمر به فلابد من تصديقه والانقياد له فيما يأمر.

وأما التفصيل فعلى كل مكلف أن يقر بما ثبت عنده من أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر به وأمر به، وأما ما أخبر به الرسول ولم يبلغه أنه أخبر به ولم يمكنه العلم بذلك فهو لا يعاقب على ترك الإقرار به مفصلًا وهو داخل في إقراره بالمجمل العام، ثم إن قال بخلاف ذلك متأولًا ولا كان مخطئًا يغفر له خطؤه، إذا لم يحصل منه تفريط ولا عدوان، ولهذا يجب على العلماء من الاعتقاد مالا يجب على من نشأ بدار جهل، وبالتالي فإن الداعية إذا علم الناس أصول الإيمان على الإجمال أو وجدهم بها عالمين كان الأولى به أن يركز لهم مقتضيات الإيمان وآثاره وربط ذلك بواقع حياتهم، وهذا أجدى وأنفع من المضي بهم إلى مزيد من المسائل والفورع التي لا يحتاجها إلا طلبة العلم، بل ربما المتخصصين منهم.

ثم تكون الدعوة إلى الواجبات بنسب متكافئة بحيث لا يكون التركيز على الواجبات الظاهرة مثلًا كصلاة الجماعة وإعفاء اللحى وتقصير الثياب فوق الكعبين، بحيث تهمل الواجبات الأخرى كبر الوالدين وصلة الأرحام والإحسان إلى الجيران وإتقان العمل الذي يكون الإنسان مسؤولًا عنه.

إن التكاليف الشرعية لبنات متعددة يقوم بها البناء، فإذا كان التركيز على لبنات معينة فإن جزءًا من البناء يكون قويًا متماسكًا، وأجزاء منه تكون ضعيفة متهافتة.



بحث عن بحث