موقف الداعية من قاعدة الموازنة بين الترغيب والترهيب:

الداعية الموفق الحكيم، والواعظ الحصيف الفطن، هو من يسير على نهج الكتاب والسنة في الترغيب والترهيب، يستخدم أيًا منهما في المكان الذي يراه مناسبًا، مراعيًا لنفسيات المخاطبين وظروفهم، فقد يستعمل الترغيب تارة والترهيب أخرى، وطورًا يجمع بين الترغيب والترهيب، وعلى هذا المنهج كان الدعاة من سلفنا الصالح.

قال الإمام علي رضي الله عنه : «ألا أخبركم بالفقيه حق الفقه؟: الذي لا يقنط الناس من رحمة الله، ولا يرخص للمرء في معاصي الله، ولا يدع القرآن رغبة إلى غيره، إنه لا خير في عبادة لا علم فيها، ولا خير في علم لا فقه فيه، ولا خير في قراءة لا تدبر فيها».

ويروى عن الإمام ابن شهاب الزهري أنه ذكر ذات مرة حديث المسرف على نفسه الذي قال لأولاده: «إذا أنا مت فأحرقوني ثم ذروني ثم اسحقوني، ثم ذروني في البر والبحر، فو الله لئن قدر الله عليّ ليعذبني عذابًا لا يعذبه أحدًا، قال... فقال الله له: ما حملك على ما صنعت؟ فقال: خشيتك يا رب! فغفر له بذلك». 

ثم تبعه بحديث «المرأة التي دخلت النار في هرة فحبستها»، ثم قال عقبهما: «ذلك لئلا يتكل رجل ولا ييأس رجل».

قال الإمام النووي: «قال ابن شهاب: لئلا يتكل رجل ولا ييأس رجل، معناه: أن ابن شهاب لما ذكر الحديث الأول خاف أن سامعه يتكل على ما فيه من سعة الرحمة، وعظم الرجاء، فضم إليه حديث الهرة الذي فيه من التخويف ضد ذلك، ليجتمع الخوف والرجاء، وهذا معنى قوله: لئلا يتكل ولا ييأس، وهكذا معظم آيات القرآن العزيز، يجتمع فيها الخوف والرجاء، وكذا قال العلماء: يستحب للواعظ أن يجمع في موعظته بين الخوف والرجاء؛ لئلا يقنط أحد ، ولا يتكل...».

نعم: إن على الداعية أن يوازن في دعوته بين ترهيب الناس وتخويفهم بالله، وبما يكون من عواقب ذنوبهم في الدنيا، وما عليها من العذاب الشديد في الآخرة، وبين ترغيبهم بما عند الله عز وجل، من الجزاء العظيم، والنعيم المقيم، وما يفتح الله لهم من الخير والبركات والنصر والتمكين في الدنيا، مما يرغبهم للإقبال على الله وطاعته، والتوبة إليه ومحبته.

ولا ينبغي للداعية أن يقتصر على جانب دون جانب، فإن بدأ بالترهيب فينبغي عليه أن يختم بالترغيب، وكذا إذا بدأ بالترغيب ختم بالترهيب.

إن الداعية كالطبيب الحاذق والصيدلاني الماهر يستطيع بحذقه ومهارته أن يشخص بدقة ما يحتاج إليه المدعوون من ترغيب وترهيب تشفى به قلوبهم وتصلح به نفوسهم، ومن ثم يقرر لهم من أدوية القرآن والسنة –ترغيبًا وترهيبًا- ما تشفى به النفوس وتطب القلوب.

فالترهيب ليس قنوطًا أو يأسًا أو رهبة تشل التفكير، وإنما هو تحذير من الأخطاء، ودلالة على الصواب، وترشيد للأعمال، حتى تنطلق الطاقات القوية إلى الغاية بغير تعويق أو عقبات.

كما أن الترغيب ليس من أحلام اليقظة ولا من الوعود المعسولة، وإنما هو تنشيط للهمم، وتشجيع للطاقات، وشحذ للعزائم، فهو كالجائزة للمتسابقين في مضمار الإحسان والإنتاج والاجتهاد، وهذا هو طريق المتقين، وأسلوب الدعاة العاملين الناقهين، وصدق الله: ﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ﴾ [الأنبياء: 90].



بحث عن بحث