الدرس الثاني                 

حكم صيام رمضان وبيان فضائله

الحمد لله الذي فرض علينا صيام شهر رمضان وجعله أحد أركان الإسلام، وصلى الله وسلم على خير الأنام نبينا محمد وعلى آله وصحبه البررة الكرام والتابعين ومن تبعهم بإحسان على الدوام.

أيها الصائم الكريم: عرفنا في الدرس السابق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  كان يبشر أصحابه بقدوم شهر رمضان، ويذكر ما فيه من الخصال والفوائد الدنيوية والأخروية.

أخي المسلم: ومع تباشيره صلى الله عليه وسلم  بهذا الشهر الكريم إلا أن الله تعالى جعل صيامه فرضا على كل مسلم بالغ عاقل مستطيع، فهو أحد أركان الإسلام ومبانيه العظام، جاء ذلك صريحا في قوله تعالى: [ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ] [البقرة:183].

وروى البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال: «بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة والحج، وصوم رمضان، وحج البيت».

فالواجب على كل مسلم أن يجتهد في القيام بهذا الفرض، ويفرح به، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا يتساهل.

أيها الصائمون لصوم شهر رمضان فضائل: فهو من أفضل الأعمال وأعظمها، فالموفق من نال هذه الفضائل وحاز عليها، والخسارة كل الخسارة لمن فرط فيها وتكاسل عن تحصيلها.

ومنها: أن صوم رمضان سبب لتكفير الذنوب ومحو السيئات، فإذا صام العبد مؤمنا بالله محتسبا الأجر والثواب غفر له ما تقدم من ذنبه.

وقد روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال: «الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن إذا اجتنب الكبائر».

وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال: «من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه» وزاد مسلم :« ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه».

فظهر من الحديث أن غفران الذنوب المتقدمة لا بد لها من شرطين:

 1- أن يكون الصائم قد صام إيماناً بالله تعالى ورضا بفريضة الصوم عليه.

2- أن يكون صيامه احتسابا للثواب والأجر، فلا يتطرق إليه شك في هذا الثوب، أو يكون هناك كره للصيام.

ثانيا: ومن فضائله: مضاعفة الأجر والثواب بدون عدد معين، فثواب الله تعالى عظيم، وعطاؤه جزيل، فهو يعطي الصائم عطاءً بدون حساب.

روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «قال  الله كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به والصيام جنة، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث، ولا يصخب فإن سابه أحد، أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك للصائم فرحتان يفرحهما إذا أفطر فرح، وإذا لقي ربه فرح بصومه».

وفي رواية لمسلم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة عشرة أمثالها إلا سبعمائة ضعف قال الله عز وجل إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، يدع شهوته وطعامه من أجلي للصائم فرحتان فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه ولخلوف فيه أطيب عند الله من ريح المسك».

وهنا ملحظ عظيم، ذلك أن الله تعالى اشترط مضاعفة الأجر بلا عدد معين بأن يكون الصيام خالصا لله تعالى، فهو إذا ترك سائر المفطرات إنما يتركها لأنه صائم، وإذا ترك المعاصي كلها تركها لأنه صائم، وبعد ذلك يبشر بكرم أكرم الأكرمين، وأجود الأجودين، فعطاؤه سبحانه لا ينفد.

ثالثًا: أن رائحة فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، وذلك لأنها من آثار الصيام، والصيام طاعة لله عز وجل، فأثر الطاعة محبوب لله تعالى، فهو وإن كان مستكرها عند الناس إلا أنه محبوب عند رب الناس، لكونه ناشئا عن طاعته.

وقد سبق في الحديث «والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك».

رابعًا: أن للصائم فرحتين، فرحة في الدنيا وفرحة في الآخرة، فأما الفرحة التي في الدنيا فهي الفرحة التي عند فطره، فيفرح الصائم لما أنعم الله عليه من القيام بعبادة الصيام، ويفرح بنعمة الله له حيث أباح له ما كان محرما عليه في النهار من الشراب والأكل والنكاح وسائر المفطرات.

وأما الفرحة التي في الآخرة، فهي عند لقاء الله عز وجل حيث يجد جزاءه عند الله تعالى عطاءً حساباً، فيجد ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر من مغفرة الذنوب وتكفير السيئات، ومضاعفة الأجر والحسنات، يفرح حين يقال للصائمين: «أين الصائمون؟ ليدخلوا الجنة من باب الريان الذي لا يدخله غيرهم».

فقد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم  قال: «إن في الجنة بابا يقال له الريان يدخل منه الصائمون يوم القيامة لا يدخل منه أحد غيرهم يقال: أين الصائمون فيقومون لا يدخل منه أحد غيرهم فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد».

وقد سبق في الحديث: «للصائم فرحتان يفرحهما إذا أفطر فرح، وإذا لقي ربه فرح بصومه».

خامسًا: أن دعاء الصائم مستجاب فلا يرد، ومن المعلوم أن من أسباب إجابة الدعاء تحري شرف الزمان والمكان، ومن أفضل الأيام أيام شهر رمضان المبارك ولياليه، ومن أفضل الأحوال حال التلبس بالعبادة كالصيام.

روى الترمذي وغيره عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنه قال: «ثلاثة لا ترد دعوتهم.... وذكر منهم الصائم حتى يفطر».

أيها الصائمون: هذه بعض فضائل الصوم في شهر رمضان، نعمة عظيمة من المولى عز وجل، ومنحة كريمة، فحري بكل مسلم أن يغتنمها، ولا يجعل الفرصة تفوته، فاليوم عمل ولا حساب، وغدا حساب ولا عمل، واعلموا حفظكم الله تعالى أن هذه الفضائل وغيرها لا تحصل للصائم إلا إذا قام بواجبات الصيام وآدابه، فاجتهدوا في تحصيلها والعمل لها.

أسأل الله تعالى أن يرزقنا حسن الصيام والقيام، وأن يجعلنا من الذين تغفر ذنوبهم، وتكفر سيئاتهم، وتضاعف حسناتهم في هذا الشهر المبارك إنه قريب مجيب.



بحث عن بحث