الدرس الرابع

شروط الصيام

الحمد لله العلي الأعلى، عالم الجهر وما يخفى، الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجهم واهتدى، أما بعد..

أخي المسلم: تحدثنا في درس سابق عن مقاصد الصيام وأسراره، وعرضنا لبعض فوائده وآثاره، منها: ضبط النفس وشهواتها، وحبسها عن ملذاتها، وكذلك تربيتها على الخلق القديم، والسلوك المستقيم، وتعويدها على الصبر والتحمل؛ إذ أن الصيام يحتاج إلى ذلك، وإحساسها بجزء من أحوال بعض الناس ممن يعاني الجوع والعطش، وقبل هذا كله تقوى الله عز وجل، فهي من أعظم أسرار الصيام ومقاصده، كيف لا، والله جل وعلا يختم آية الصيام [ لعلكم تتقون ]  وفي هذا الدرس نعرض شروط الصيام:

أولا: النية:

الصوم عبادة تفتقر إلى نية مسبقة شأنه في ذلك شأن أي عبادة لله عز وجل. يقول الله تعالى: [ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ][البيِّنة:5]. وفي الصحيحين من حديث عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى».

والنية يجب أن تبيّت في صوم الفرض من الليل، أي: قبل طلوع الفجر، وذلك لما روى ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن حفصة رضي الله عنها قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من لم يجمع الصيام قبل الفجر، فلا صيام له». وهذه النية للشهر كله، إلا إذا فصل بين الأيام فواصل أفطر فيها الصائم فيحتاج إلى استئناف النية.

وينبغي أن يعلم أنه لا يشترط التلفظ بالنية، فلا يقل: (اللهم إني نويت أن أصوم غدا أول يوم من رمضان مثلا)، فكل عمل يدل على تأهبه للصيام يكفي لذلك، فإذا قام من نومه للسحور مثلا، أو أعد السحور، أو سئل عن صيامه فقال: غدا إن شاء الله، فلا شك أنه عمل هذا العمل لأجل الصيام، وهكذا.

والنية أثرها عظيم؛ إذ هي شرط في قبول العبادة؛ لأن العبادة لا يكون مقبولة عند الله تعالى إلا إذا توفر فيها أمران أساسيان، هما:

إخلاصها لله وحده لا شريك له، فلا يخالطها رياء ولا سمعة، ولا غير ذلك من الشوائب.

والثاني: أن يكون على منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم  كما جاء به من عند الله عزوجل.

الشرط الثاني: أن يكون الصائم مسلما بالغا عاقلا، فإن صام الكافر فلا يصح منه، أما الصغير فلا يجب عليه، ولكن يصح منه إذا كان قادرا عليه؛ لما روى البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه عن الربيع بنت معوذ رضي الله تعالى عنها قالت: «أرسل النبي صلى الله عليه وسلم  غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار من أصبح مفطرا فليتم بقية يومه، ومن أصبح صائما فليصم قالت فكنا نصومه بعد ونصوم صبياننا ونجعل لهم اللعبة من العهن فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذاك حتى يكون عند الإفطار».  

وبناءً على ذلك فقد استحب كثير من السلف تعويد الأطفال والأبناء، والبنات على الصيام وتمرينهم عليه إذا لم يكن شاقا عليهم، ففي ذلك تربية لهم وتعويد لهم على التحمل والصبر، ولأوليائهم في ذلك الأجر والثواب إن شاء الله تعالى.

وكذلك لا يجب الصيام على فاقد العقل، ويدخل في ذلك المغمى عليه، ولكنه إن أفاق في النهار من إغمائه فعليه أن يمسك بقية يومه.

الشرط الثالث: أن يكون قادرا على الصوم، فلا يجب على من لا يطيقه حسا أو شرعا لكبر أو مرض لا يرجى برؤه، ولا على مريض أو مسافر، أما إن صام فيصح منه، إلا الحائض والنفساء فلا يصح منهما.

 ومن كان صائما ومرض أثناء الصوم، أو كان مقيما فسافر أثناء الصوم وما أشبه ذلك فإنه يجوز له الفطر حينئذ لعموم قوله تعالى [ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ] [البقرة:184].

الشرط الرابع: الإمساك عن جميع المفطرات من الأكل والشرب والنكاح من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس، لقوله تعالى : [فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ] [البقرة:187]. ولما روى البخاري ومسلم أن عدي بن حاتم رضي الله تعالى عنه وأرضاه قال: لما نزلت [ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ]عمدت إلى عقال أسود وإلى عقال أبيض فجعلتهما تحت وسادتي فجعلت أنظر في الليل فلا يستبين لي فغدوت على رسول الله صلى الله عليه وسلم  فذكرت له ذلك فقال: «إنما ذلك سواد الليل وبياض النهار».

أيها الصائمون: الله الله في الحرص على صون صومكم من كل ما يشوبه أو يؤثر فيه أو يحدث خللا ينقص من أجره، فالجزاء من جنس العمل، فأخلصوا صومكم لله عز وجل، وقوموا به حق قيام، فالله جل وعلا لا ينظر إلى صوركم وأجسامكم ولكن ينظر إلى قلوبكم.

وكما يجب الإمساك عن المفطرات الحسية، يتأكد الحذر من الوقوع في المفطرات المعنوية من الكذب والغيبة والنميمة والغش في البيع والشراء، والخيانة، والمخادعة.

وهذا ما سنفصله في الدرس التالي إن شاء الله تعالى. رزقنا الله وإياكم حسن الصيام والقيام، وصلاح النية والمقصد إنه ولي ذلك والقادر عليه.



بحث عن بحث