الدرس السابع

من آداب الصيام

الحمد لله الذي أرشدنا إلى أكمل الآداب، ووعدنا من ذلك جزيل الثواب، وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الآل والأصحاب، أما بعد:

أخي المسلم: تحدثنا في الدرس السابق عن بعض الأحكام التي يحسن التنبيه عليها مما يتعلق بالمفطرات، وفي هذا الدرس نتحدث عن بعض الأمور المعنوية التي يجب على الصائم أن يتجنبها وأن يدرك خطرها عليه في الدنيا والآخرة، ولا شك أنه لا يجوز ارتكابها في غير رمضان، ولكنها في رمضان تتأكد.

أخي المسلم: من أهم ما ينبغي أن يتجنبه الصائم: جميع ما حرمه الله عليه من الأقوال والأفعال، ومن ذلك: الغيبة، وقد بين المصطفى صلى الله عليه وسلم  المراد بالغيبة، فأخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال: «أتدرون ما الغيبة؟» قالوا الله ورسوله أعلم، قال: «ذكرك أخاك بما يكره»، قال أحدهم: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: «إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته».

ويصور لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم  قبح هذا الفعل الشنيع بما أخرجه الإمام أحمد عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه قال: (ليلة أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم  قال: ونظر في الباب وإذا قوم يأكلون الجيف، قال: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: الذين يأكلون لحوم الناس).

ويكفي أن نتصور أيضا ما ذكره ربنا تبارك وتعالى عن هذه الرذيلة المستقبحة بقوله [ وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ] [الحُجُرات:12]، والغيبة أخي المسلم تكون بالتصريح بأن تقول فلان عمل كذا وكذا أو فلان ذميم الخلق، أو سيء الخلق، ونحو ذلك، وتكون في التلميح بالإشارة كأن تومئ إليه بيدك، أو تذكره بوصف موجود فيه أو لم يوجد، فكل ذلك داخل في الغيبة.

وإذا أردت أن تعرف ضرر هذه العادة القبيحة فصور نفسك وأنت الشخص المتكلم فيه هل ترضى بذلك أم لا؟ أضف إلى ذلك ما تثيره هذه العادة القبيحة من الأحقاد والضغائن بين الأقارب والأصدقاء والجيران، وحسبك ضررا مضيعة الوقت وإهداره بشيء يضر المتكلم والسامع، والعبد مسئول عن هذا الوقت يوم القيامة كما ورد ذلك في الحديث الشريف.

وهل تعلم أخي المسلم أن الغيبة تأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب؟ وأن عواقبها وخيمة في الدنيا والآخرة؟ ففي الصحيحين عن أبي هريرة   رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم  قال: «إن الرجل ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها ينزل بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب». أضف إلى ذلك أن اغتيابك شخصا أو أشخاص يعني أنك تعطيهم من حسناتك وتأخذ من سيئاتهم؛لأن الغيبة متعلقة بحقوق العباد، وحقوق العباد لا تمحى إلا إن عفوا عنها أو ردت لهم مظالمهم.

أخي المسلم: اعلم أن المغتاب جنى جنايتين:

إحداهما: على حق الله تعالى إذ فعل ما نهاه عنه، فكفارة ذلك التوبة والندم والاستغفار.

والجناية الثانية: على عرض المخلوق، فإن كانت الغيبة قد بلغت صاحبها جاء إليه واستحله، وأظهر له الندم على فعله.

فعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم  أنه قال: «من كانت عنده مظلمة لأخيه من مال أو عرض فليأته فليستحلها منه قبل أن يؤخذ وليس عنده درهم ولا دينار، فإن كانت له حسنات أخذ من حسناته فأعطي هذا، وإلا أخذ من سيئات هذا فألقي عليه».

وإن كانت الغيبة لم تبلغ الرجل جعل مكان استحلاله الاستغفار له؛ لئلا يخبره بما لا علم له به فيوغر بذلك صدره، ويثني عليه في المواضع التي اغتابه فيها.

أخي المسلم: إن المؤسف حقا أن تعمر مجالس كثير من المسلمين اليوم بأكل لحوم بعضهم بعضا، ويتعلل بعضهم بأن هذا حال كثير من الناس.

وهذا لا يكفي في استحلال محرم، فالأمر جد خطير، ينبغي علينا نحن المسلمين أن نتجنب هذه العادات القبيحة والتي ضررها عام في الدنيا والآخرة، ضرر على الفرد نفسه وعلى المجتمع بأسره، تتفكك الأسر، وتتباعد الأصدقاء والأقارب، وتنشر الرذيلة في المجتمع، ويسود الحقد والحسد بين الناس وتكثر البغضاء والشحناء، والإسلام جاء ليهذب الناس، وليدلهم على طريق الخير والاستقامة، ولينشر الفضيلة ويحارب الرذيلة. ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم  أسوة حسنة، فما كان يقول صلى الله عليه وسلم  إلا حقا من ذكر وقراءة ونصح وتعليم وأمر بمعروف ونهي عن منكر.

أخي المسلم: إن الغيبة محرمة في سائر الأوقات والأزمان، فتشتد حرمتها في هذا الشهر الكريم الذي فضله الله جل وعلا على سائر الشهور، ومع ذلك فيع الفرصة سانحة لتصحيح الأخطاء، والتوبة من الذنوب، والندم على فعلها.

أسأل الله تعالى أن يصون ألسنتنا من الأقوال المحرمة، وأن يرزقنا التوفيق والسداد، وأن يعف عن زلاتنا وأخطائنا إنه سميع قريب.



بحث عن بحث